18 سبتمبر 2025
تسجيللم تولد الطبقة الوسطى في قطر نتيجة لطبيعة اقتصادية للاقتصاد القطري ولا لتحولات اجتماعية مر بها المجتمع القطري، وإنما تكونت في ظل دور حكومي واضح مع استقلال الدولة وميل المجتمع نحو الاستقرار والأفقية والدخول في عملية تنمية في إطار بناء دولة حديثة، توفير سكن وفرصة عمل، وإعانة اجتماعية ونظام صحي وتعليمي مجاناً، كل ذلك ساعد على إيجاد طبقة وسطى، كانت مطلباً لقيام الدولة قبل أي شىء آخر، ربما كانت صورة أكثر تقدماً لصيغة" التعاضد " القائم في المجتمع قبل قيام الدولة. ويمكن الإشارة هنا كذلك لقيام مجلس الشورى على أنه يأتي ضمن الهندسة الاجتماعية لصياغة طبقة وسطى، التي اتخذت شكلها الأوسع في سبعينيات القرن المنصرم وبداية الثمانينيات. لم تستطع الطبقة الوسطى في قطر المساهمة أو الدفع باتجاه أي تغيير أو الدفع باتجاه أي نوع من الإصلاحات ناهيك عن إمكانية فرضها ؛ لأنها كما ذكرت مجرد روشتة حكومية وليست نتيجة تحول في نوع أو نمط الاقتصاد، رغم عدم توسعها أو ربما انكماشها قليلاً إلا أنها كان يمكن تلمسها حتى التسعينيات، الإيجابي في الأمر أن الانفاق الاجتماعي المتأني والمدروس والتوازن الذي حققته الدولة بين مكوناتها في تلك الفترة، أفرز مثقفاً جيد التكوين، وموظفاً عالي التأهيل، الأمر الذي انعكس على الإدارة الحكومية بشتى نواحيها وتخصصاتها. دخول الدولة في مشروعات ضخمة فى استخراج الغاز وتسويقه واتجاه الدولة للبروز على الصعيد الإقليمي والدولي ولعب دور يتسق مع ما تملكه من ثروة طموح وميزة اجتماعية يتمثل في صغر عدد السكان نسبياً، أدى إلى ما يمكن تسميته باقتصاد "الأبراج" وهو اتجاه الاقتصاد من التوسع الأفقي اجتماعياً إلى التوسع العمودي اقتصادياً، وقام النظام المصرفي بدور كبير في إعطاء التسهيلات الائتمانية بناء على تعليمات وضمانات من الدولة وباختيار وفرز نخبوي اجتماعيا، أدى إلى تقلص مساحة الطبقة الوسطى المهندسة أصلاً اجتماعياً والتي كانت تحدث التوازن المطلوب للدولة ثقافياً ومدنياً وسياسياً. فأصبح المجتمع بعد ذلك أشبه بحزام ضاغط بقوة في المنتصف مع تضخم في الرأس "الطبقة العليا" وتضخم في الأسفل "الطبقة الدنيا" وضمور واضح في الوسط. للمواكبة لجأ الكثير ممن كانوا يمثلون الطبقة الوسطى إلى الجهاز المصرفي وللقروض الأمر الذى أوقعهم في مصيدة الديون في حين غياب سياسة حكومية واضحة لتدارك الأمر. اقتصاد"الأبراج" هذا أعطى أفضلية للمثقف القشري ولموظف الواسطة والمحسوبية والعلاقات القرابية، نظراً للوفرة المالية التي لا تحبذ التفاصيل والتي توسعت رأسياً بشكل لم تشهده الدولة من قبل. بالإضافة إلى اتجاه الدولة لاستملاك مساحات وفرجان كاملة لإقامة مشاريع تحديثية في الدوحة والقرى والمدن حولها، أفرغ الطبقة الوسطى والدنيا كذلك من ممتلكات ذات رأسمال اجتماعي كبير، أكثر من قيمتها الاقتصادية وربما أكثر من التعويضات المقابلة المدفوعة عنها، فأصبحت هذه الطبقة تعاني اجتماعياً واقتصادياً معاً؛ لارتفاع الأسعار وقيمة الأراضي وتكلفة البناء بشكل كبير، فاستملاك الأرض من قبل الدولة يجلب السيولة ولكن امتلاك السيولة قد لا يكون كافياً لامتلاك أرض ذات قيمة اقتصادية واجتماعية أو كالتي جرى استملاكها من قبل الدولة. والدولة منشغلة بمشاريع تنموية ضخمة يعنى مزيدا من السرعة والسيولة ذات الآثار العكسية والسلبية على طبقات المجتمع، الأمر الذي سينهك المواطن، ما لم يكن في الحسبان دائماً التوسع الأفقي في الانفاق الاجتماعي، وعدم التسرع في القضاء على دولة الرفاه دون إيجاد وسيلة واضحة ومناسبة لدولة الإنتاج. [email protected]