16 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); يعد التحكيم في الوقت الحاضر الأسلوب الغالب للفصل في المنازعات التي تثور بين الأفراد والمؤسسات، ولحماية التعاملات التجارية المحلية أو الوطنية والاستثمارات التجارية التي يقوم بها رعايا أي من الدول في الدولة الأخرى وإزالة العقبات التي يضعها قانون كل دولة في وجه تدفق الاستثمارات والحركة التجارية على وجه العموم ولما تتطلبه الحركة التجارية من سرعة الحكم والبت في المنازعات الناشئة عنها حتى لا يترتب على تأخر الحكم والبت في منازعاتها الأضرار على المستثمرين وتعطيل مصالحهم من طول مدة هذه المنازعات بالطرق التقليدية بعد أن أصبحت المحاكم مثقلا كاهلها بالقضايا. ولأهمية تحرير هذه الجهات من تبعات تأخر البت في المنازعات الناشئة عن الحركة التجارية كان لابد من إيجاد آليات لتسوية المنازعات التجارية بوسيلة محايدة وفعالة وهي تسويتها عن طريق "التحكيم التجاري".حيث يعد التحكيم نظاما قديما حديثا، فهو قديم النشأة لاتخاذه وسيلة لحل النزاعات في المجتمعات القديمة بحيث يحكمه العادات والأعراف المتبعة في تلك المجتمعات. ويعد نظاما حديثا أيضاً، وذلك لأنه في الوقت الحاضر وبعد نشوء الدولة وتبلورها بشكلها الحالي وارتباطها الوثيق من منطلق المصلحة مع غيرها من الدول، ونظراً لاتساع رقعة العلاقات التجارية الدولية بين الأشخاص الطبيعية والاعتبارية في دول مختلفة، وارتفاع حجم العقود التجارية الدولية - يكاد لا يبرم اليوم عقد تجاري دولي دون أن يتضمن شرطاً تحكيمياً يقضي بأن يفصل في كل نزاع ينشأ عن هذا العقد بطريق التحكيم الدولي، أي على يد هيئة تحكيم، تكون إما معينة من قبل أطراف النزاع أو عن طريق اللجوء إلى إحدى مؤسسات التحكيم التجاري الدولي، كغرفة التجارة الدولية، أو وفق نظام تحكيم دولي معين كالنظام الذي وضعته لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية اليونسترال.فالعالم يعيش الآن عصر عولمة الاقتصاد وتبني سياسة السوق المفتوح، حيث تتجه معظم دول العالم إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية على إقليمها، مما يستتبع زيادة العلاقات الاقتصادية الدولية عموما والتجارية خصوصا، لتزيد الحاجة تبعا لذلك إلى التحكيم باعتباره الوسيلة الطبيعية والمثلى تسوية المنازعات الناشئة عن العقود الدولية. ويقصد بالتحكيم التجاري الدولي بأنه "مصطلح قانوني يعمل على فض المنازعات التجارية بين دولة وأخرى أو بين دولة أو شركة تجارية دولية من قبل محكمين مختصين وبعيدا عن قضاء الدولة".فلم يعد التحكيم التجاري الدولي سلعة يجب استظهار محاسنها بل أصبح ضرورة يفرضها واقع التجارة الدولية ويعد وسيلة فاعلة لتفادي وحسم المنازعات الناشئة عن عقود التجارة الدولية والاستثمار والعقود الدولية طويلة المدة التي تتعلق بالتجارة والصناعة والاستثمار والخدمات وعقود نقل التكنولوجيا وعقود التشييد والبناء والجوانب المالية المتعلقة بالملكية الفكرية … إلخ.وللتحكيم التجاري أهمية كبيرة في الحياة الاقتصادية بين الشركات الاستثمارية والأفراد، إذ يمكن من بند اللجوء إلى التحكيم قبل اللجوء إلى التقاضي في أي عقد تجاري أو صناعي أو عقد من العقود العقارية مثل البيع أو الإيجار أو الرهن. وتأتي أهمية أخرى للتحكيم تتمثل في كونه يساعد بشكل أساسي في انتعاش الحياة التجارية وتشجيع المستثمر على الدخول في استثمارات كبيرة وفي علاقات تجارية واسعة دون الخوف من مجرد ضياع الحقوق أو إطالة أمد التقاضي إذا حدثت منازعة بشأن عملية تجارية، أو تنفيذ عقد كما تسهم عملية التحكيم بشكل أساسي في تشجيع الاستثمارات الأجنبية، حيث يخشى المستثمر الأجنبي من القوانين المحلية ومن بطء إجراءات التقاضي المحلية، فيمكنه اشتراط القانون واجب التطبيق في حالة حدوث منازعة سواء كان القانون المحلي أو الأجنبي.وبسبب ازدهار التجارة الدولية، أصبح التحكيم التجاري وسيلة وحيدة مقبولة لتسوية الخلافات الناشئة عنها، لأن المتعاملين في التجارة الدولية هم من جنسيات مختلفة، ولا يقبل أحدهم بالخضوع للاختصاص القضائي والتشريعي للآخر، فهو يجهل قانون الدولة الثانية، وقد يكون غير مطمئن إلى القضاء فيها، فليس أمام الطرفين إلا التحكيم وسيلة لفض المنازعات بينهما دون خضوع أحدهما لقانون الآخر. فالاستثمار الأجنبي يتطلب قضاء خاصا يحكم بتجرد وموضوعية بمنأى عن الاعتبارات الشخصية وعلى معرفة بمفاهيم التجارة العالمية، لذا فقد وجدوا في التحكيم التجاري ضالتهم كعدالة خاصة مستقلة لنزاعات الاستثمار الدولي. وهناك مميزات عديدة للتحكيم التجاري الدولي نذكر منها: خدمة مصالح الدولة في عدم تكدس القضايا إلى جانب مسايرة الأنظمة الدولية الحديثة، قلة التكاليف مع سرعة الفصل في المنازعات، سرية المنازعات ثم حرية اختيار المحكمين. ومن الجدير بالذكر أنه ورغم كل ما سبق من مميزات للتحكيم، إلا أن أداء التحكيم التجاري لوظيفته مرهون بالبيئة وقوانين التحكيم المحلية التي تحكم أداء عمل المحكمين. فكلما كان دور القانون مقصوراً على حماية حقوق الأطراف دون تدخل في إرادتهم، كان التحكيم فاعلا وفعالا في أدائه وظيفته. فحرية أطراف النزاع في اختيار محكميهم، ولغة التحكيم ومكانة والقانون الواجب التطبيق في النزاع، مؤشرات على بيئة تحكيمية صحية.وكلما اقتصر دور القضاء على مراقبة تطبيق المحكمين للقواعد الشكلية دون الغوص في موضوع النزاع، ضمن طرفا التحكيم التمتع بمميزات التحكيم الذي لجأ إليه لحل نزاعهم.وختاماً، يجب أن تكون هناك آلية للخروج من جمود النصوص التشريعية والانسجام بشكل أكبر مع مـا هـو مستجد على الصعيد الدولي بحيث تتاح الفرصة لنصوص المعاهدات للانطباق علـى العلاقـات التجارية الدولية، من خلال النص في هذه التشريعات مع ضرورة الاستعانة بهـذه المعاهـدات واللجوء إليها لحل المنازعات التجارية الدولية في المستقبل.