13 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); مع التقدم التكنولوجي ظهرت أنواع جديدة وغير تقليدية من الاقتصاد قد يقوم عليها اقتصاد بلاد بأكملها مثل اقتصاد المعرفة، واقتصاد التنمية البشرية. والاقتصاد علم لم ينفصل أبدًا عن تلبية احتياجات الإنسان، والاحتياج الإنساني يبتكر حل المشكلات الإنسانية، وبمعنى أدق فالحاجة أم الاختراع necessity is the mother of invention، ويمكن القول إن الاقتصاد الإبداعي بالنسبة للأشخاص أو الدول يعني ببساطة مدى تحويل الهواية أو الإبداع الشخصي إلى تدفق نقدي واستخدام الحلول غير التقليدية والإبداعية في حل المشكلات الاقتصادية.وفي الوقت الذي تسعى فيه دول العالم لتحقيق أهداف النموّ المتوقعة للألفية الجديدة وفي الوقت الّذي يحاول فيه العالم وضع أجندة جديدة للنمو إلى ما بعد عام 2015م، تقوم الأمم المتحدة بالتعاون مع القادة والمفكرين والخبراء بالتشديد على أهمّية الثقافة كعامل فعّال في تحريك وضمان التنمية المستدامة، خصوصاً فيما يتعلّق بالبلدان النامية. وتقول مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هيلين كلارك إنّ «الصناعات الثقافية والإبداعية هي بمنزلة محرّكات مهمّة للنمو الاقتصادي، فهي تولّد فرص العمل وتؤمن المداخيل وتسهم في ضمان رفاهية الأفراد والمجتمعات في البلدان المتقدمة والنامية، على حدّ سواء».وقد أصبحت الملكية الفكرية في السنوات القليلة الماضية ذات تأثير كبير في الناتج الاقتصادي العالمي، وفي طريقة حيازة الأفراد لأفكارهم وامتلاكهم لها، يقول الخبير الاقتصادي الأمريكي جون هوكنز: لقد أصبح ذوو الأفكار، أي أولئك الذين يملكونها، أكثر نفوذا ممن يشغلون الآلات. وحديثًا، ومع زيادة أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات، ومع تقدم وسائل الاتصال، بدأت تظهر الحلول الاقتصادية الإبداعية حول العالم، فمثلًا يظهر مفهوم اقتصاد الفقراء في الهند، فقد قام أحد رجال الأعمال في الهند "راتان تاتا" وهو حاصل على دكتوراه فخرية من مدرسة لندن للاقتصاد، كما سمته مجلة "فوربس "الأمريكية رجل أعمال العام ٢٠٠٥ راتان تاتا من قام بثورة تغيير شاملة في تكنولوجيا صناعة السيارات على مستوى العالم، بعدما أخذ على عاتقه تصنيع سيارة زهيدة الثمن حتى تكون في متناول الجميع.كانت الفكرة في البداية أشبه بالحلم عندما شاهد "راتان" أسرة مكونة من أربعة أفراد فوق دراجة بخارية في ليلة ممطرة، فقرر ضرورة توفير وسيلة أكثر راحة للتنقل يمكن للأسر والعمال والمزارعين تحمل تكاليفها، وبالفعل تم تصنيع سيارة تاتا نانو (أرخص سيارة في العالم)! نعم أرخص سيارة في العالم، ليس هذا فقط، بل إن الهند أيضًا قدمت للعالم في إطار ما يمكن أن نسميه اقتصاد الأشد فقرًا.وفي تركيا مثلًا، حيث صناعة القمامة وإعادة تدويرها بصناعات مفيدة. وهناك العديد من الأمثلة حول العالم، وفي السويد شركة IKEA الشركة التي يوجد لديها ٢٠٠٠ موزع في ٦٧ دولة و١٣٦ فرعًا في ٢٨ دولة بدأت برغبة جامحة من قبل بائع كبريت اسمه إنغفار كامبراد حوّل حلمه إلى واقع من خلال التحول إلى صاحب أكبر شركة أثاث عالمية، وعندما تزور متجر الشركة في أي فرع حول العالم تجد نفسك وكأنك في السويد البلد الأم للشركة، حاولت الشركة توفير كل سبل الراحة للعميل من خلال طريقة عرض المنتجات أو حتى فتح مطعم خاص في المتجر، ومن خلال المطعم يتم تسويق أنواع الطعام السويدي، فهو ليس متجرًا وليست مجرد شركة، إنما هي خير سفير للاقتصاد السويدي ونموذج للإبداع الاقتصادي في الشركات في العالم.وقد بلغت القيمة المالية العالمية لاقتصاد الإبداع خلال السنوات الأخيرة أكثر من ثلاثة تريليونات دولار، وهي تنمو بمعدل 6 في المائة سنويا، وتستثمر الشركات الأمريكية نحو تريليون دولار سنويا في المنتجات الثقافية غير الملموسة، وهو يساوي الاستثمار السنوي في الزراعة والميكنة، وأسهمت الصناعات الأمريكية المعتمدة على حقوق النشر في الاقتصاد الأمريكي أكثر من أي صناعة أخرى، أي أكثر من الصناعة الثقيلة والسيارات والطائرات والطعام والشراب.وتأتي بعد الولايات المتحدة في الاقتصاد الإبداعي اليابان التي تنفق إنفاقاً عالياً في البحث والتطوير، وتستهلك بقدر عال من الصحف والتسلية الإلكترونية والكتب والسينما، ويعمل في أوروبا في مجال الاقتصاد الإبداعي أكثر من ستة ملايين شخص، وفي الوقت الذي تتضاءل فيه فرص العمل في القطاعات المختلفة، فإنها في الاقتصاد الإبداعي تتزايد، وعلى نحو غير مباشر فإن العمل في الاقتصاد الإبداعي يحقق متوالية هائلة من النتائج والتحولات، فيدفع العاملين فيه إلى مواصلة التعليم والعمل المستقل الذي يطور الاقتصاد ويقلل التكلفة ويزيد التشغيل.وتزدهر اليوم الأعمال اليدوية في سوق الفن وفي السياحة والترفيه، وتبلغ قيمة هذه السوق في الصين 15 مليار دولار، وتنمو سوق الفنون على نحو غير مسبوق، وتشتمل أسواق الفنانين المحترفين الكبار على نحو 12 مليار دولار، وتبلغ قيمة اقتصاد التصميم 140 مليار دولار، ويساوي الاقتصاد العالمي في مجال البرمجيات 600 مليار دولار، ويساوي اقتصاد تصميم الأزياء 60 مليار دولار، وتنتج صناعة الأفلام نحو ثلاثة آلاف فيلم في العام، تصل قيمتها إلى أكثر من 80 مليار دولار، ويحقق قطاع الموسيقى في العالم أيضا 80 مليار دولار سنويا، وتبلغ قيمة الاقتصاد في المسرح 50 مليار دولار، وتبلغ قيمة السوق العالمية للكتب والمجلات والصحف 126 مليار دولار.وليس المقصود هنا بالإبداع هو أفكار أو مستوى جودة منتجات الشركة، إنما الإبداع في التسويق وطريقة العرض ورسالة ورؤية الشركة، فالاقتصاد الإبداعي اليوم قطاع رئيسي ومهيمن في مجال المهن والأعمال والتجارة والاقتصاد، وصار المقياس الأساسي للتقدم الاقتصادي، وهو اقتصاد يتطور مع تطور التقنية وخاصة في مجالات الاتصالات والمعلوماتية. لذا تحتاج الدول العربية إلى حلول إبداعية وجذرية للخروج من الأزمات المالية الحالية من أجل مستقبل أفضل. وفي النهاية لابد أن ينعكس النجاح الاقتصادي على الحياة الاجتماعية بل وعلى الحياة السياسية للدول. وكما شاهدنا، فإن المشاكل الاقتصادية وقلة الموارد تكون دافعًا هاما للخروج بحلول اقتصادية إبداعية تؤدي إلى تحقيق التنمية في شتى دول العالم.