17 سبتمبر 2025

تسجيل

موليير والكوميدي فرانسيز

25 نوفمبر 2013

بالرغم من أنني غير متعمق في دراسة الأدب الفرنسي بسبب دراستي للأدب الإنجليزي في المرحلة الجامعية وما بعدها فإنني كنت دائما أتوقف طويلا عند اسم موليير.. ولعل السبب في ذلك أنني أعلم تماما مدي اعتزاز الشعب الفرنسي بلغته ولكنني قرأت أنهم يطلقون عليها لغة موليير علي سبيل التدليل. دعني أصحبك أعزائي القراء في جولة لنتعرف علي هذه الشخصية العبقرية التي أثرت الأدب والمسرح الفرنسي منذ أربعة قرون وحتي الآن وتجاوزت حدود فرنسا إلي أوربا كلها ووصلت إلي العالمية باقتدار. اسمه الأصلي جون نانسين بوكلان وولد في الخامس عشر من يناير 1622 لأب كان يعمل" منجدا" لدي ملك فرنسا.. في البداية عمل مع والده ولكنه ألحقه بمدارس رهبان الطائفة اليسوعية التي بدأ فيها ثقافته حيث بدأ في دارسة مبادئ العلوم والفلسفة كما تعلم اللغة اللاتينية التي قرأ عن طريقها الأعمال المسرحية المعاصرة وكان لها أكبر الأثر في تشكيل وجدانه وتمتعه بحسن الإدراك.. وفي نفس الوقت تابع دراسة الحقوق.. ولكنه تفرغ للمسرح حيث أسس فرقة" المسرح المتألق" في عام 1643 واتخذ لقب" موليير" الذي عُرف به ولاصقه طيلة حياته. وكان أسلوب موليير مغايرا لكل ما هو سائد في ذلك العصر لإختياره موضوعات ساخرة من الحياة اليومية للناس لمعالجة عيوب المجتمع بطريقة ساخرة عن طريق توصيف تلك الآفات الأخلاقية المتفشية في مختلف أوساط المجتمع مثل الرذيلة.. ولم يكتفي بذلك بل إتخذ من التنبيه للمخازي الإنسانية وإبراز العيوب العقلية والوجدانية والنفسية أسلوبا جديدا ومبتكرا لم يكن معروفا في عصره وكان يقوم بخلق شخصية محورية تتوفر فيها كل هذه الصفات ومن ثم تدور حولها أحداث القصة أو المسرحية.. وفي كتاباته التي وصلت إلي حوالي نحو ثلاثين عملا خالدا كان يوظف كل أنواع ودرجات الفكاهة من المقالب السخيفة وحتى المعالجة النفسية كما أسلفنا ولكن في قوالب مرحة ومتنوعة. ومن أهم أعماله المسرحية"المتأنقات السخيفات 1659" و"مدرسة الأزواج 1661" و"مدرسة النساء 1662" و"دون خوان 1665" و"الطبيب رغما عنه 1666" و"البخيل 1668" و"طرطوف 1669"و"البرجوازي النبيل 1670" و"كونتيسة إيسكاريانياس 1671"و"النسوة الحاذقات 1672" و"المريض الوهمي 1673". وكانت كل هذه المسرحيات معينا لا ينضب لدارسي الأدب والفنون المسرحية في أوربا والعالم كله حتى يومنا هذا. وفي كل هذه المسرحيات كان موليير يحرص علي بث المبادئ من خلال شخصياته والتي كانت جديدة في عصره ولكنها عاشت حتى اليوم ولازالت تحتفظ بعظمتها برغم مرور أربعة قرون ومنها علي سبيل المثال لا الحصر ما جاء في" مسرحية البخيل" : نحن نأكل لكي نعيش ولا نعيش لكي نأكل.. أو ما جاء في"مسرحية طرطوف" : المظاهر في أغلب الأحيان خادعة.. لا يجب أن نحكم بما نري.. وما جاء أيضا في"مسرحية النسوة الحاذقات" : الأحمق العالم أكثر حماقة من الأحمق الجاهل.. هذه المقولات لا زال أكثرنا يسمعها أو يرددها دون أن يعرف أن موليير هو كاتبها منذ أربعة قرون. ولم يكتف موليير بكونه كاتبا وممثلا مسرحيا فقط ولكنه كان أيضا مديرا للفرق المسرحية ومن خلال توجيهاته للممثلين علي خشبة المسرح ساهم في وضع أصول الإخراج. وبعد حياة حافلة أصيب موليير بمرض السل الذي كان منتشرا ولكن لم يكن حائلا دون الاستمرار حيث توفي في مساء يوم 17 فبراير 1673 علي خشبة المسرح الذي وهبه حياته أثناء عرض مسرحيته" المريض الوهمي" حيث سقط أمام جمهوره الضاحك الذي عشقه لدرجة الجنون لأنه كان علامة فارقة في تاريخ المسرح العالمي. وإلي اللقاء في موضوع جديد ومقال قادم بحول الله