19 سبتمبر 2025
تسجيلالضربات التي تلقاها الكيان الصهيوني في عملية طوفان الأقصى يوم السابع من اكتوبر بغض النظر عن خسائر الفلسطينيين لاحقاً، كانت موجعة وعميقة الأثر، وواسعة الجغرافيا، وربما لم يتعرض الكيان الصهيوني وجودياً، لمثل هذا الخطر طوال العقود الماضية منذ قيامه على أرض فلسطين، فمن كان يخال قبل السابع من اكتوبر أن المستعمرين اليهود سيُخلون مستعمراتهم، ويفرغونها، إما هرباً إلى الغرب من حيث أتوا، أو إلى أماكن بعيدة عن هذه المستعمرات، ولا أخال أيضاً أن كثيراً منهم سيعودون إلى مستعمرات لا تبعد سوى مئات الأمتار عن مناطق سكنية فلسطينية، ستغدو مهددة باجتياحات مماثلة للسابع من اكتوبر، فملدوغ الأفعى يخشى من الحبل. ولذا رأينا هرع رؤساء الدول الغربية إلى تل أبيب والتضامن معها والوقوف إلى جانبها، فالمشروع الاسرائيلي هو مشرع غربي بالأصل والأساس، ولعل بايدن قد اختزل المسألة حين قال:( لو لم تكن اسرائيل موجودة لأنشأناها.) لأن هذا باختصار مشروع غربي للتخلص من اليهود الغربيين لديهم، وقد كان للغرب ذلك، لكن ما حصل يوم السابع من اكتوبر نسف المشروع، ونسف معه فكرة ديمومة بقاء اليهود الغربيين المطرودين من الغرب إلى أرض الميعاد حسب زعمهم. سمعة وصيت الجيش الاسرائيلي بالحضيض اليوم، وقد بدأ ذلك منذ الافتراق السياسي والعسكري الذي حصل ربما لأول مرة في تاريخ الدولة العبرية، نتيجة أزمة التعديلات الدستورية، وانحياز نتنياهو إلى التطرف الصهيوني طلباً لدعمه، في مواجهة سياسيين وحاضنة شعبية رفضت التعديلات، وهو ما أغضب المؤسستين الأمنية والعسكرية من نتنياهو، ومن خلفهما الدول الغربية التي رأت في تحرك نتنياهو هذا ضرباً لمشروعها الذي تحدثنا عنه. أتت أحداث السابع من اكتوبر لتزيد الطين بلّة على الجيش الصهيوني، فأفقدته توازنه، مما زرع شكوكاً كبيرة وسط المحتلين بقدرة جيشهم على حمايتهم، وأكثر من هذا وضع إشارات استفهام كبيرة لدى الدوائر الغربية في قدرة الكيان الصهيوني على أن يكون قاعدة متقدمة للغرب في المنطقة العربية، أو نقطة ارتكاز بعد الهزيمة والفضيحة التي تعرض لها يوم السابع من اكتوبر. كل هذا دفع دوائر غربية عدة وحتى بعض العقلاء من الكيان الصهيوني للمطالبة بالتريث في تنفيذ الهجوم البري الذي غدا ضرورة مهمة للجيش الصهيوني من أجل إعادة الاعتبار لنفسه، ومعها أيضاً من أجل شد عصب المحتلين الصهاينة، بعد أن فقدوا الثقة في قدرة المؤسسات الاحتلالية على حماية الكيان الصهيوني في مواجهة مقاتلي السابع من اكتوبر. على الجانب الآخر فإن طوفان الأقصى جرف تماماً أجندة المطبعين مع الكيان الصهيوني، وبالتالي غدا من الصعب على المطبعين في الوقت الحالي مواصلة أجندتهم، ففرمل بذلك كل الاستراتيجية التطبيعية التي كان يروج لها نتنياهو، ومعها أيضاً نسف سمعة الكيان الصهيوني الذي سعى إلى تقديمها خلال السنوات الماضية على أنه كيان مسالم، فصرف وقتاً وجهداً من أجل تقديم صورة ناعمة عنه، من أجل إغراء المطبعين، ليصحو الجميع على مجازر ومذابح وهجمات وحشية منفلتة تستهدف المدارس والمساجد والمشافي، وهو ما ذكر لمن لم يحضر أو يعش مجازر الأربعينيات من القرن الماضي، فأعاد بذلك ربما مسألة التطبيع مع الصهاينة إلى أجواء مؤتمر الخرطوم واللاءات الثلاث، على الأقل على المستوى الشعبي. بالتأكيد فإن المقاومة الفلسطينية دفعت ثمناً باهظاً، إن كان بفقدانها لرجالها، أو بفقدانها لأهلها الذين تجاوز عدد شهدائهم الأربعة آلاف شهيد، بالإضافة إلى تدمير كبير في البنى التحتية، ولكن المقاومة لا تزال تقاتل بفاعلية، وربما لم يكن يتوقع أحد أن تواصل قصف المستعمرات الصهيونية بالصواريخ بعد مرور أكثر من اسبوعين على عملية طوفان الأقصى، بمعنى أن الكيان الصهيوني فشل في إسكات هذه الصواريخ، وفشلت قبته الحديديدة أمام طوفان أحفاد نوح عليه السلام. الخسارة الكبيرة التي تعرض لها الكيان الصهيوني تمثلت في انقلاب الحاضنة الغربية وحتى كثيراً من الحاضنة الصهيونية عليه، حيث نرى بشكل شبه يومي المظاهرات التي تعمُّ عواصم غربية مؤيدة للحق الفلسطيني، ومطالبة بوقف المجازر الصهيونية، ووصف نتنياهو بالقاتل، وقد وصل الأمر إلى اقتحام يهود في أمريكا لمبنى مجلس الشيوخ الأمريكي، مطالبين بوقف المجازر ضد غزة، وهو ما لم يحصل في السابق، مما يؤشر إلى مدى الجرح العميق الذي أحدثه هجوم السابع من اكتوبر في جسد الكيان الصهيوني، وتعدّى أمر المظاهرات إلى خروج الشعب الإسرائيلي نفسه بمظاهرات في تل أبيب يطالبون بوقف المجازر، وبوصف رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو بالقاتل، كما اعتصم مئات الأشخاص أمام مقر الرئيس الصهيوني وهم يطالبونه بوقف الحرب على غزة، والعمل على إطلاق سراح الأسرى الصهاينة الذين أسرتهم القسام خلال هجوم طوفان الأقصى. لم يعد الكيان الصهيوني في حال تشبه حروبه السابقة مع العرب، لقد غدت المؤسسات العسكرية والسياسية المشتبكة مع بعضهما خفية، وغدا هذا الكيان بلا حاضنة غربية وصهيونية واسرائيلية حتى، كما اعتاد عليه في حروبه السابقة، وهو الأمر الذي سيجعل من الصعب جداً المضي قدماً في حرب مكشوفة الحاضنة، بل حاضنة تعارضه في حربه وفي ارتكاب جرائمه ومجازره.