11 سبتمبر 2025
تسجيلما من مولود يولد في الحياة إلا ويحمل في طيات أيامه مشروعا، ولا يتم أي مشروع في الوجود إلاّ بشيء من النضال، يولَدُ الانسانُ فيبدأ نضالَه ومسيرةَ حياتِه فتجده يُكافِح، ويتعبُ وينهَك ولكنّه لا يستَسْلم. يُكافِحُ ليَغلبَ ذاتَه ويتفوَّقَ على ذاتِه وينتصر على أعدائه ويحمي رسالته ووطنه وهويته ومن يعول. ويأتي هذه المقال وما زالت آثار عملية طوفان الأقصى تترجم لنا معاني النضال التي قام بها أبطالها وهم يرون النضال فلسفة مُرتَبِطة بِفَلسَفَة الوجود. ولكل نضال حكاية لأصحابه وحكايتنا هنا حكاية ذلك الرجل السوري الذي جعل للنضال كينونة ترى. محمد عز الدين بن عبد القادر القسام، وُلد في بلدة جَبَلة السورية عام 1883م، وفي مدينة جَبَلة تعلم القراءة والكتابة والحساب وحفظ القرآن الكريم، وتلقى تعليمه الديني على يد والده. وقد سافر القسام وهو في سن الرابعة عشرة من عمره إلى مدينة القاهرة، وتلقى تعليمه الأزهري ودَرَس العلوم الشرعية، ثم عَاد إلى بلدته جَبَلة. وفي عام 1912م أسس القسام في جَبَلة مدرسة لتعليم الأطفال والكبار، وقد عُين مُوظفًا في شُعبة التجنيد، وبعد انتهاء عمله كان يَعقد حلقات تعليمية في المساجد، ثم عُين بعد ذلك خَطيبًا في جامع المنصوري. وفي خُطبه كان يشجع الناس على ضرورة التغيير، وعدم الخنوع والذل، وضرورة محاربة الفقر والضعف، وضرورة العمل، والتعاون بين الناس. وعندما وقعت ليبيا تحت الاحتلال الإيطالي عام 1911م قاد التظاهرات الشعبية الداعمة لليبيا، وعندما وقعت سوريا تحت قبضة الاحتلال الفرنسي عام 1918م دعا الناس إلى النضال ضد الاستعمار الفرنسي، وقام بنشر الوعي بين صفوف الناس عن طريق خُطبه ودروسه. وفي عام 1921م فر عز الدين القسام إلى فلسطين بعد أن أصدرت سلطات الاحتلال الفرنسي بحقهِ حكم الإعدام غيابيًا. وقد استقر عز الدين القسام في حيفا، وقام بتعليم فقراء الفلاحين ليلًا، وحارب الأمية، وحظي بتقدير الناس. بعد ذلك انضم عز الدين القسام إلى المدرسة الإسلامية في حيفا، ثم جمعية الشُّبان المسلمين، وقد أصبح رئيسًا للجمعية عام 1926م. وفي فلسطين دَعَا عز الدين القسام إلى النضال ضد الاستعمار البريطاني، ودَعَا أيضًا إلى ضرورة مواجهة المستوطنين اليهود، ووقف ضد نقل الأراضي إلى اليهود، وقد حذر من هجرة اليهود إلى أرض فلسطين، وأدرك خطورة التهديد الصهيوني. وفي عام 1931م بدأت العُصبة القسامية التي أسسها القسام في تنفيذ بعض العمليات النضالية ضد المستوطنات الصهيونية بشكل غير معلن، وفي نوفمبر 1935م أعلن القسام النضال العَلني ضد العصابات اليهودية، والسلطات البريطانية، ونتيجة تشديد السلطات البريطانية على تحركاته قرر القسام الهروب إلى المناطق الريفية. وبعد سلسلة نضالية من الكر والفر والهجمات المضادة، استشهد الشيخ عز الدين القسام وبعض رفاقه وجُرح البعض الآخر. وقد كان استشهاد عز الدين القسام سببًا في اندلاع ثورة فلسطين الكبرى في 1936 وقد أصبح رمزًا للفداء والحرية. فالنّضالُ يا أحبة ليسَ شِعارا يحكى، وأيضا ليست كلمات تقال، وأيضا ليْسَ بالضرورةِ حرباً. إنما جوهر النّضالُ هو التمسُّكٌ بما هُوَ جَوْهَريّ في حياتنا، والتضحيةُ من أجله والكفاحُ دفاعاً عنه بما نستطيع، فلا أجمل من حياة يعيشها المرء وهو يدافع عن ما يعتقده أسمى ما يراه في الوجود.