20 سبتمبر 2025

تسجيل

لافارج الفرنسية ولافارجات المسلمين

25 أكتوبر 2022

بعد مداولات ومرافعات ومناقشات استمرت لسنوات حسمت محكمة أمريكية حكمها بتغريم شركة لافارج الفرنسية بدفع 777.8 مليون دولار، وذلك لتقديمها دعماً لمنظمات مدرجة على التصنيف الدولي بأنها إرهابية، وعلى رأسها تنظيم الدولة، حيث واصلت الشركة الفرنسية تشغيل مصنع الإسمنت الخاص بها في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة في شرق سوريا، ودفعت للتنظيم ملايين الدولارات نظير استمرارية هذا التشغيل، وبوضوح العبارة التي اعتاد العالم كله على وصمها لبعض المسلمين دعم وتمويل الإرهاب، فإن لافارج كانت تدعم وتمول الإرهاب، وقد أقرت واعترفت بنفسها ودفعت دية ذلك... اللافت أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كشف عن تحذيره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مبكراً من استمرارية عمل لافارج في شرق سوريا، ولكن ذلك التحذير لم يلقَ آذاناً صاغية، في ظل الغرور والكبر الفرنسيين، اللذين تلبّسا بعض النخب الفرنسية بما فيها الرئيس نفسه للنيل من الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو ما أثار ضجة غير مسبوقة في العالم الإسلامي، حيث دعت نخب علمائية ومشيخية وثقافية إلى مقاطعة البضائع الفرنسية، ولا تزال الدعوة مفتوحة، وهي أطول دعوة لمقاطعة المنتجات الفرنسية في التاريخ الحديث. بالمقارنة بين هذا الكشف الذي أثبت تورط لافارج الفرنسية في تمويل الإرهاب، وبين منظمات الإغاثة الإسلامية التي وقعت ضحية الحرب الغربية على ما يوصف بالإرهاب، سنوات عجاف، وجه الغرب ظلماً وزوراً وبهتاناً التهم لبعض المنظمات الإغاثية التي كانت لها أيادي بيضاء لا ينكرها إلاّ جاحد خلال الحرب الأفغانية الأولى ضد الاحتلال السوفياتي، مثل منظمة الدعوة الإسلامية الكويتية والتي غدا اسمها مؤسسة الرحمة لاحقاً، فاتهمها الغرب بدعم وتمويل الإرهاب، وصادر أموالها، ومنعها من مزاولة العمل، ليعتذر لاحقاً عن تصنيفه الذي تبين له بأنه تصنيف غير صحيح، وأنها لم تقم بأي نشاطات داعمة لما يصفه بالإرهاب، ولكن كم لدينا من منظمات الدعوة الإسلامية الكويتية ممن تعرّض لنفس التهمة ولنفس التصنيف، ليثبت لاحقاً العكس؟! هذا الظلم طال الأشخاص الذين تم القبض عليهم وقبعوا في سجون أمريكية وغربية لسنوات طويلة، ضاعت زهرة شبابهم ليتم الإفراج عنهم لاحقاً، دون أن يعلم سبب الاعتقال الحقيقي، ولا سببب الإفراج، فضلاً عن عدم تعويضهم عن كل ما جرى لهم من سنوات عجاف. لنتخيل للحظة ماذا سيكون الرد الأمريكي لو ثبت دعم شركة ورجل أعمال مسلم، أو عربي، لتنظيم الدولة، ولنتخيل كيف سيكون رد المحكمة الأمريكية، والإعلام الأمريكي على الدولة التي تتبع لها هذه الشركة أو هذا الشخص، ولنتصور حجم ما سيكتب عنها حينها، حيث ستشحن الآلة الإعلامية الغربية، ومعها ستشحذ أقلام الإعلام الغربي الذي سينفر لتتبع الخيوط كلها في عملية التمويل، مع عدم نسيان ابتزاز الدولة التي تنتمي إليها لافارج الإسلامية؟!، ولكن نرى اليوم في حالة لافارج الفرنسية الصمت وتمرير الحالة وكأن شيئاً لم يكن.. الإشكالية الأساسية التي يخرج منها المتتبع للحرب على ما يوصف بالإرهاب، هو أن الحقيقة كانت أول ضحاياها، تماماً كما كانت القيم الأخلاقية ضحية أساسية من ضحايا الحرب على الإرهاب، وبالتالي فإن الدول التي قاتلت ما يوصف بالإرهاب انهارت أخلاقياً بأعين الجميع نخباً وعواماً، وبالتالي لم يعد هناك ما يثق به العالم كله من قيم أخلاقية، فسلطة الآباء أول ما تنهار، تنهار أخلاقياً، وكذلك الدول تنهار أخلاقياتها، فيتبعها غيره. اليوم حين يتابع العالم كله، ما جرى ويجري من نفرة لدعم الأوكرانيين في مواجهة الاحتلال الروسي لبلادهم، وهو نفس العالم الذي يتابع صمت النافرين لدعم الأوكرانيين يوم أبيد السوريون على مدى 12 عاماً، ويوم ضربوا بالسلاح المحرم دولياً، فيتعمق لدى المتابعين أن هذا العالم عالم نفاق لا يمكن الوثوق بعدله، ولا بإنصافه.. فثمة عالم خاص بلافارج الفرنسية، وعالم خاص بغيرها...