18 سبتمبر 2025

تسجيل

في وداع التعليم العام

25 أكتوبر 2018

سألني أحد أبنائي مرة، وكان طالباً في مدرسة خاصة ذات منهج مزدوج «يبه» لماذا نكره الأمريكان؟، ونقلت إليَّ ابنتى الطالبة في مدرسة حكومية سؤال صديقتها لها: ما الملائكة؟ وكانت صديقتها طالبة في مدرسة خاصة ذات منهج أوروبي خاص، وشكا لي أحد أصحابي أن ابنه الطالب في إحدى المدارس الدينية دائم التساؤل عن الغرب الكافر ومحاولته التغلغل في مجتمعاتنا. كانت هذه الأسئلة في فترة التسعينيات الذاهبة مع بداية تكاثر المدارس الخاصة وتراجع التعليم العام الذي نشأ عليه أجيال الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات. اختلف التعليم فاختلفت الأسئلة؛ كان التعليم السابق يطرح أسئلة من نوع آخر تتعلق بوجود الأمة. السياق المعرفي لتلك المرحلة تطلَّب إجابة عن أسئلة من نوع خاص بها، فكانت الأجوبة من نوع (نحن أمة واحدة، نرتبط بمصير مشترك، نرفض الاستعمار والهيمنة الأجنبية ولابد من تملك ثرواتنا بأيدينا). اختلفت المدخلات اليوم فاختلفت المخرجات -أي الأسئلة - فكانت من طبيعة ما طرحه هؤلاء الطلبة. في غياب الأسئلة الكبرى وسياقها المعرفي تملأ الفراغ الأسئلة الصغرى التي تعنى بالتفاصيل حيث يعشش الشيطان. على كل حال، ليس الخوف من تعدد المناهج؛ ولكن على الواقع، من أن ينتج استعداده وقبوله لهذا التعدد أولاً وإلا قد تتحول الأسئلة إلى أسلحة عليه. إذا لم يعد « الواقع « يحتمل تعدد الأجوبة وأصر على أن يكون الجواب واحداً ومحدداً سلفاً ، فعليه إذن أن يوقف تدفق الأسئلة ما أمكن، أو ألا يستوردها على الأقل رسمياً. في حر صيفنا وعندما آوي إلى فراشي ظهراً للقيلولة أستشعر برودة (المكيّف) وأستشعر أهمية وجوده وأولويته في هذا الوقت، وأحياناً ولا شعورياً أدعو لمن ساهم في ابتكاره بالرحمة، ودائماً ما يأتيني التنبيه من قريب « لكنه كافر»!. أدرك ساعتها سهولة أن نستورد المادة وصعوبة بل استحالة أن نستكين لفكر أو نظرية ما لم ينتجها واقعنا. وما الديمقراطية المذبوحة على حدودنا الدموية إلا شاهداً على عدمية استيراد المنهج دون الحرث، لعله يستنبت استنباتاً برائحة أرضنا، أو نجد له بديلاً. [email protected]