10 ديسمبر 2025

تسجيل

تلـون الريـاض وتقلبـات ترامب

25 أكتوبر 2018

يبدو أننا سنكون مضطرين للانتقال من روايات السعودية الهزلية حول تجميل شكل ولي العهد ومحاولة إخراجه من قضية الجريمة الوحشية التي تعرض لها الشهيد جمال خاشقجي رحمه الله بأي طريقة كانت إلى مدارسة المواقف الشخصية للرئيس الأميركي دونالد ترامب من هذه الحادثة التي في اعتقادي الشخصي أن محمد بن سلمان لو كان استشار ترامب قبل أن يقدم على التخطيط الغبي الذي سارت عليه خطوات استدراج خاشقجي ثم قتله غدرا لكان ترامب أكثر ذكاء من ابن سلمان نفسه ومن مستشاريه الذين يتفوقون عليه في الغباء ولربما قام ترامب بوضع خطة محكمة ترضي الغرور لدى مبس، ولما كان لولي العهد السعودي أن يجد نفسه اليوم في «حيص بيص» في هذه القضية التي قد تكون بداية انهياره الفعلي بعد الانهيار السياسي الذي كانت له تبعات ثقيلة جداً لا أظن أن الكاهل السعودي سيكون قادراً على تحملها أو دفع فواتيرها! فكما تلونت الروايات السعودية حول مقتل خاشقجي من شجار عابر إلى عملية مدبرة إلى تفاوض مسالم إلى قتل بالخطأ كان التلون نفسه يدور في المواقف الشخصية للرئيس الأميركي الذي يفكر بعقلية مالية بحتة، فكلنا نعلم أن البيت الأبيض كان أول وأسرع جهة خارجية لها ثقلها في العالم من تلقف الرواية الأولى للرياض وقال ترامب في أول تصريح له عنها أنها رواية موثوقة ولا يمكن التشكيك بها قبل أن تمر ساعات قليلة ونرى ترامب نفسه يشكك في هذه الرواية التي وصفها بالمفتعلة!، ثم عادت السعودية لترش على روايتها بعض البهارات لإحداث بعض مشاهد «الأكشن» فيها وصورت أن الشجار الذي حدث بين خاشقجي وأحد الأشخاص المتواجدين في القنصلية السعودية لم يكن عفويا وإنما كانت عملية مدبرة لمجموعة أشخاص لم تُسمّهم ليعود ترامب إلى التودد للرواية السعودية الثانية ويجدها أكثر إقناعا قبل أن يبدل هو الآخر موقفه خلال أقل من ساعتين!، وهكذا مع كل تبدل وتلون لقصص الرياض الخيالية في سرد أحداث عملية قتل خاشقجي نجد في المقابل ذاك التبدل وذاك التلون في ردود الفعل لدى ترامب الذي يبدو أنه يعاني من أمرين أحلاهما مرُّ، فترامب الذي يرتبط مع ولي العهد السعودي بعلاقة ودية قوية قائمة على السيولة النقدية السعودية الضخمة التي تضخها للخزائن الأميركية لا يزال متزعزعا في الخروج بموقف ثابت من قضية التورط المباشر لنظام الحكم السعودي في دم خاشقجي لاسيما وأنه ليس رئيسا متفرداً في القرار وتحكمه قوانين يتدخل فيها المشرعون في الكونغرس ومجلس الشيوخ، بالإضافة إلى أن صوت الإعلام الأميركي يبدو أعلى ويدخل إلى الغرف السرية للبيت الأبيض ويتحكم بقراراته في كثير من الأحيان، ولا نتوقع حقيقة أن يستقر ترامب على رأي واحد خصوصا وأنني أكتب هذا المقال وقد اطلعت على التصريح الجديد لترامب الذي لن يعجب النظام الحاكم في السعودية وقد يُعد أقوى تصريح لترامب حتى الآن في رده على سؤال إذا ما كان محمد بن سلمان متورطا بشكل مباشر في عملية قتل خاشقجي حيث قال إن ابن سلمان هو من يأخذ بزمام الحكم في السعودية وإن كان هناك من أمر بهذه العملية فبلا شك سيكون هو! ومقابل كل شد وجذب من تصريحات ترامب التي تأتي على شكل انفعالات فورية ثم تليها ردود متأنية يحكمها ضغط المشرعين الأميركيين على تصريحات الرئيس يبقى بند العقوبات التي لن تجد الرياض منها مفرا الخيار الإلزامي الذي سيضطر وزير خارجيته بومبيو إلى إعلانها لأنها لم تعد خياراً تتفاوت الآراء حوله وإنما أصبح ضرورة يجتمع عليها كل من يحب المال السعودي ومن يرفضه، ولعل العقوبات هو ما يصر ترامب على التلويح بها في كل مرة تتلون فيها تصريحاته وتتبدل ولابد لها أن تتمثل للرياض من كابوس محدق إلى واقع مرير في الأيام القليلة المقبلة خصوصا أن السعوديين قد خانوا ثقة ترامب بهم وتسترهم على هذه الجريمة كان الأسوأ في التاريخ بحسب وصفه الذي لا يبدو أن ترامب سيتوقف عنده، فالأيام حبلى بالكثير من هذا الهزل الممتزج بالمرارة والحزن على فقيد دعا الملك سلمان وابنه محمد ذويه لتقديم العزاء لهم في أبيهم ليلتقي أهل المقتول مع القاتل وتتصادم النظرات وتبرد المصافحات ويد المرافق الشخصي لمحمد بن سلمان على الزناد في صورة أعدها أصدق دليل على إدانة محمد بن سلمان ولكن مع تكذيب كل الأدلة الدامغة على تورط ابن سلمان المباشر في القضية والتشكيك بها لن تكون نظرة «صلاح جمال خاشقجي» لقاتل أبيه الدليل الأقوى الذي سيصدقه العالم !. فاصلة أخيرة: لا تتباهوا بالسلطة فالموت ينتظر الجميع [email protected]