13 سبتمبر 2025

تسجيل

حصار الخسران

25 أكتوبر 2017

في الوقت الذي يزّجُ الآخرون أبناءهم في أتون الحروب، ويتعرض مواطنوهم إلى قصف الصواريخ والدبابات، يقوم حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى بجولة آسيوية من أجل توطيد علاقات الصداقة والمحبة بين دولة قطر ودول جنوبي شرق آسيا، ويغرس سموه (الزهرة الوطنية) في أرض إندونيسيا الإسلامية الصديقة، ويصافح بكل حب أطفال إندونيسيا ومن قبلهم أطفال ماليزيا وأطفال سنغافورة.وفي الوقت الذي يستمرئ أهل الحصار تلذذهم بفرض الحصار ضد الشعب القطري، ويراهنون على سقوط النظام في دولة قطر، وإنهاك معنويات الشعب القطري والمقيمين على أرض قطر، عبر إعلام مزيف وغير عاقل، تبذل سلطنة عمان ودولة الكويت جهودًا لإنقاذ القمة الخليجية القادمة المقرر عقدها في دولة الكويت في ديسمبر المقبل. ولقد قام سمو الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت بجولات مكوكية آخرها كانت للرياض في السابع عشر من هذا الشهر، والتقى الملك سلمان بن عبدالعزيز عاهل المملكة العربية السعودية، من أجل لملمة النزاع. كما طار سموه إلى نيويورك من أجل تقريب وجهات النظر بين أهل الحصار ودولة قطر، في سعي عربي خالص يتوخى منه عودة اللحمة إلى البيت الخليجي المضطرب. كما قام سموه بجهود عام 2014 من أجل عودة سفراء كل من السعودية والإمارات والبحرين إلى الدوحة بعد أن تم سحبهم. ولقد حظيت الوساطة الكويتية بتأييد دول العالم سواء في أروقة الأمم المتحدة أم في أمريكا وأوروبا، حيث عبّر العديد من زعماء العالم عن إيمانهم بدور الكويت في وضع حل لأزمة حصار الشعب القطري. إلا أنه من الواضح أن دول الحصار لا تريد الإصغاء لصوت العقل، الذي ينطلق من عواصم العالم قاطبة، وتستمرئ مُخرجات الحصار، وينطلق إعلامها بحشر الأكاذيب من أجل "شيطنة" دولة قطر، ولكأننا نعيش إعلام 1967!وفي هذا الإطار وصل سعادة الشيخ صباح الخالد الصباح نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي، إلى الدوحة يوم الأربعاء الماضي، ولم يرشح عن الزيارة أي شيء سوى أن الجانبين القطري والكويتي استعرضا العلاقات الأخوية وتطرقا إلى آخر تطورات الأزمة الخليجية والجهود الكويتية الساعية لحلّها عبر الحوار. كما لامَ وزير الخارجية الأمريكي (ريكس تيلرسون) المملكة العربية السعودية وحلفاءها على استمرار الأزمة في الخليج، حيث بدأ زيارة يوم الجمعة الماضي لدول المنطقة لبحث الأزمة الخليجية. وكان الوزير الأمريكي قد أعرب عن تشاؤمه بإمكانية التوصل إلى حلٍ للخلاف بين السعودية وحلفائها من جهة ودولة قطر من جهة ثانية.وكان حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى قد أعلن خلال زيارته لإندونيسيا يوم السبت 18/10/2017 أن "قطر مستعدة دائمًا للحوار لحل هذه القضايا لأنه لا يوجد رابح، كلنا إخوان، وكلنا خاسرون من هذه الأزمة، ولذلك قطر منفتحة للحوار وفق اتفاقيات تكون ملزمة على كل الأطراف باحترام سيادة الدول"!بالله عليكم، هل من حديث عقلٍ أبلغ من هذا الحديث؟ وهذا هو موقف دولة قطر المعلن دومًا، كونها لا تلتفت ولا "يضيق صدرها" لما يتحقق للشعوب الأخرى، وتفرح وتضع يدها في يد الزعماء الذين "تحبهم شعوبهم" وينعمون بالأمن والرخاء، ويستمتعون بمقدرات بلدانهم، وتتحقق عندهم العدالة والمساواة، وتتفرغ دولهم لإنشاء الجامعات والمعاهد والمطارات، لا السجون وأجهزة المطاردات!وإذا ما تمسكت دول الحصار بموضوع اتفاق الرياض، فإننا لا نرى ضيرًا في مناقشة هذا الاتفاق، وأول بنوده (عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس)، وهذا الأمر واضح وجليّ في السياسية الخارجية لدولة قطر، لكن الذين وضعوا الاتفاق خرقوه بفرض الحصار الجائر على دولة قطر!والبند الثاني (عدم دعم الإخوان المسلمين أو أي من المنظمات أو التنظيمات أو الأفراد الذين يهددون أمن واستقرار دول المجلس)، وهذا أيضًا -رغم أنه يقوض سيادة القرار في أي دولة ولا يقبله العقل- إلا أن الإخوان المسلمين في أي من دول المجلس ليس لديه ما يشكل خطرًا، ناهيك عن أن بعض دول المجلس يحتضن هذه الجماعات، بل ويوجد منهم من يؤسس جمعيات معترف بها في تلك الدول، ومنهم من يمثل الشعب في البرلمان! فهل نطلب من هذه الدول طرد مواطنيها بحجة انتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين؟ ولست هنا بصدد الدفاع عنهم، ولكن هذه حرية فكرية شخصية لا يجوز لأي طرف التدخل فيها حتى لو كانت دولة!أما البند الثالث في الاتفاق المذكور والذي يقول (عدم قيام أي من دول مجلس التعاون بتقديم الدعم لأي فئة كانت في اليمن ممن يشكلون خطرًا على الدول المجاورة لليمن)، وهذا البند لا خلاف عليه، ولا تعارضه دولة قطر، ولكن كان يجب معاقبة من خالف هذا البند ومن قام باحتلال أجزاء من أراضي اليمن، وفرّق الشعب اليمني، دائمًا فئة دون أخرى ومتجاهلًا الشرعية التي تدعمها دول مجلس التعاون! لماذا يتم النظر دومًا إلى الجزء الفارغ من الكأس؟ ولم نسمع إدانة من مجلس التعاون لاحتلال أجزاء من أراضي اليمن؟ ومن خالف اتفاق الرياض الذي شهد عليه الأمين العام لمجلس التعاون وصيغت آليته التنفيذية على الورق الرسمي للأمانة العامة لمجلس التعاون؟ إذن فاتفاق الرياض لا يشكل حجة على قطر، بقدر ما هو شاهد على من لم يلتزم به، خصوصًا استخدام القوة العسكرية ضد اليمن.وإذا كان اعتداد دول الحصار بموضوع المبادئ الستة، فكل بنودها أصبحت واضحة وهي لا تدين قطر، كون قطر ملتزمة بمكافحة الإرهاب، ولا تروج لخطاب الكراهية، وعلى استعداد للحوار حول البند الثالث، كما أنها ملتزمة بمخرجات القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي عُقدت في مايو 2017. وأنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول ولا تدعم كيانات خارجة عن القانون، وأنها مع المجتمع الدولي لمواجهة كافة أشكال التطرف والإرهاب!أما إذا كانت لدى دول الحصار أسباب وأهداف أخرى، فلا يجوز أن نعتدَّ باتفاق الرياض أو المبادئ الستة! وما قامت به شركة (أدنوك) من خلال إعلانها، ومسحها دولة قطر من خريطة الخليج أمر يخالف حسن الجوار وقرابة التاريخ والدم، ولربما هذا كان ذلك الهدف الأول الذي قامت عليه المؤامرة على دولة قطر، وكشفَ عنه سمو أمير دولة الكويت في نيويورك من أنه تم وقف التدخل العسكري على دولة قطر من قِبل دول الحصار!ونحن نعتقد بأنه لا جدوى من المناداة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتقوم إحدى الدول التي حاصرت الشعب القطري بمحاولة محو الشعب والدولة من على الخريطة! ولا عقل ولا منطق يقبل هذا التصرف الهمجي المخالف لكل المواثيق والمعاهدات الدولية، ومخالف لميثاق الجامعة العربية والنظام الأساسي لمجلس التعاون.لقد سبب الحصار خسارة كبرى لكل مواطني دول المجلس، اجتماعيًا واقتصاديًا ونفسيًا، وهذه الخسارة يجب أن يتحمل مُسببوها نتائجها بكل جرأة، وأن يُقّروا بأن حصار الشعب القطري لم يأت بسبب الإعلانات الدعائية التي تصدر من وسائل إعلامهم وربطه دولة قطر بالإرهاب، بل لأن دولة قطر بدأت تمارس سيادتها الكاملة منذ عام 1995، ونفضت "عباءة التاريخ"، وآمنت بتحديث المجتمع والانفتاح على الثقافات، وقامت بتطبيق الشفافية فيما يتعلق بالعلاقات مع الدول الأخرى، دون الرجوع إلى عواصم عربية تسمّي نفسها بـ"عواصم القرار العربي"!! السؤال: ما الفائدة التي جنتها دول الحصار من وراء هذا الحصار؟ بل ما الخسارة التي لحقت بها جراء هذا الحصار؟ لا بد من أن تكاشفها شعوبها بهذه الحقيقة! ومن خوّلَ أي قوة في الأرض أن تفرق بين العائلة الواحدة، وتُلحق الضرر المادي والمعنوي بالشعوب، وتحرم مئات الطلبة من مواصلة دراساتهم في الجامعات الخليجية؟ بل ومن خوّل أي قوة في الأرض أن تمنع حجاج بيت الله الحرام من أداء مناسكهم؟! وكيف سكت علماء دول الحصار على هذه الحقيقة ولم ينطقوا بكلمة الحق؟! لماذا لا يناقش إعلامهم هذه الحقائق إن كان يبث الحقيقة؟!القرار السياسي حقٌ خاص لكل دولة مستقلة ذات سيادة، ولا يجوز فرض "الموروث السياسي" البالي على أي دولة، أو تحويل مجلس التعاون -الذي خبا صوته خلال الأزمة- إلى "بيت للطاعة"!