28 أكتوبر 2025
تسجيللنعيد قراءة تاريخ نشوء أكبر الدول العلمانية الأكبر، إنها الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم مؤسساتها تغيير المناهج الدينية والسياسية في بلادنا، كي نفهم بداية وصول الجنس الأبيض لها ولماذا، وحينها سندرك أن أول فوج للعِرق الأبيض وصل شواطىء أمريكا كان البروتستانت الفرنسيين ، ثم مجموعات دينية هربت من إنكلترا لإقامة الدولة الكاثوليكية بعد التضييق عليها في بريطانيا العظمى لتزاحم الإسبان الذين سبقوهم لبلاد الهنود الحمرّ الذين جاء أجدادهم من شرق آسيا،وكانت الغاية من الاستطيان الجديد هو صنع عالم جديد مبني على أسس دينية مسيحية لبناء مستقبل أفضل للمزارعين على الشاطىء الغربي للأطلسي. الولايات المتحدة هي دولة علمانية نظريا، ومع هذا لا يزال الشعار الديني يحكم روحها، فعلى ورقة العملة الأمريكية،الدولار، نقرأ " إيماننا بالله"، وحتى يوم الجمعة الماضي نجد أن الشخص الوحيد الذي استطاع أن يجبر مرشحي الرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون ودونالد ترامب ليتصافحا ويطلقا الضحكات هو كاردينال نيوورك "ديموتي دولان" خلال عشاء خيرّي ، وهذا يؤكد على سيطرة رجال الدين المسيحي في قلعة العلمانية الأكبر، إذ يعترف 80 بالمائة من الأمريكيين أنهم مسيحيون، مقابل 16 بالمائة يصنفون بلا دين أو لا يعرفون حقيقة إيمانهم.في العالم الإسلامي هناك نزعات متطرفة بلا شك، فالدولة الوحيدة التي قامت على أسس ثورية دينية أحادية المذهب هي إيران، وهي لا تسمح لغير الشيعة بحرية العبادة وتسنم مناصب الدولة، بل وتتبنى أبناء المذهب الطائفي في كل أنحاء العالم، وهي بذلك تمثل الدولة الثيوقراطية الطاردة، فيما المقارنة بالمملكة العربية السعودية ليس عادلا، فالشريعة الإسلامية تعتبر المصدر الوحيد للتشريع ولكن إدارة الدولة وبقية المؤسسات ليست منغلقة على رجال الدين فقط،ومع هذا لا أحد في الغرب يجرم إيران أو يطالبها بالتحول الى النمط العلماني أو المدني.ما لا يريد أن يفهمه المنادون بالتحول للدولة المدنية وفصل السلطة في العالم العربي عن تراث المجتمع وهويته الإسلامية كما أصبح يتنامى باطراد في الأردن ومصر تحديدا، أن النظام الحاكم يستمد شرعيته من الشعب،والمجتمع يستمد هويته من الإرث الديني والتاريخي المبني على تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الحميدة، فيما يشكل النظام الإجتماعي أهم ركائز الاستقرار والتعايش الطبيعي مع أتباع الدين الآخر، فقد شكلت المسيحية أحد أسس وجود الاجتماع الديني قبل قيام الدولة العربية، فيما شكل المجموع الإسلامي الحاضنة الأكبر التي يتحرك فيها ومن خلالها أعداد قليلة ممن يصنفون باللادينيين أو العِلمانيين المتمردين اليوم،وهذا ما يجب أن يفهمه الجميع أن ضمان حقوق الأقلية مصان، وهو بالتأكيد ضمان أكثر لحق الأغلبية سياسيا ودينيا واجتماعيا.إن مبدأ سيادة القانون يجب ان يحمي كل معتقدات المواطنين الأصلية ومن المفترض أن يحمي مقدرات الأوطان أيضا، وثروات البلاد والأموال العامة، ويحمي مؤسسات الدولة وهياكلها المدنية كما يحمي الهياكل الدينية وعدم الإخلال بها أو التطاول عليها، فليس من المقبول أن يتنطع أحد ممن يمارس شهواته بلا قيد شرعي ،متمتعا بالحرية القانونية،ليهاجم المؤمنين أو يستهزىء بهم وبعلماء الدين وتقاليد المجتمع، متناسيا أنه الاستثناء والمجتمع هو القاعدة الرئيسة. وليس من المنطق أن تستأثر فئة المتحررين والملحدين على قلتهم ،بقرار الأغلبية العامة، وتقودهم لمستقبل لا تعرف تلك الفئة نفسها ما شكل ذلك المستقبل، فقط لأن مؤسسات أمريكية أو غربية تدعم توجهاتهم، فحتى نمنع التطرف يجب أن يبقى علماء الدين هم الفيصل لوضع التوازن للمجتمع وضوابطه مع الآخر، أما المسؤولية السياسية فهي في قبضة النظام دائما حتى لو كانت الدولة علمانية تماما.