15 سبتمبر 2025

تسجيل

الفن الهابط يدعم الديكتاتور .. دوما!

25 أكتوبر 2013

تشارك العديد من الفئات في صناعة الديكتاتور، كما أن هناك فئات لا يعيش من دونها الديكتاتور. المخططون للسيطرة على الدولة والمجتمع وقمع التحركات المطالبة بالحرية، وخبراء الإعلام والصحفيين والساسة المخادعون، هم في موقع خدم الديكتاتور، أما أصحاب رؤوس الأموال غير المنتجين ولصوص المال العام والعناصر الطفيلية في المجتمع، فهؤلاء حلفاء الديكتاتور. الديكتاتور يتشارك مع مثل تلك الفئات في الحكم والمصالح، إذ الديكتاتورية ليست حالة معلقة في الهواء فوق المجتمع وهي ليست نظاما سياسيا قمعيا فقط، بل هي نظام اقتصادي واجتماعي أيضا. كما أن وجود واستمرار الديكتاتور، يرتبط دوما باستمرار إعادة إنتاج أوضاع المجتمع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا بطبيعة الحال، دون تغيير. وفي ذلك يجب التفرقة بين الفئات الاجتماعية التي تشكل قاعدة الأساس للنظام الديكتاتوري وتلك المجموعات العاملة بالأجر لخدمة الديكتاتور وحاشيته والترويج لهم، رغم أن كليهما يدين للديكتاتور بثروته ودوره ونفوذه في المجتمع. غير أن هناك فئة هي الأخطر تأثيرا في صناعة الديكتاتورية والترويج لها وتوسيع رقعة سيطرتها على المجتمع في داخل صفوف المهمشين في المجتمع، هي تلك الفئة التي تنتج الفن الهابط والثقافة السوقية في المجتمعات. تلك الفئة هي الأكثر تأثيرا على الجمهور البسيط، وفي ذلك تبدو المفارقة، إذ الديكتاتورية هي الأصل في وجود متزايد ومتوسع للفئات المهمشة بسبب اعتمادها على المجموعات الطفيلية غير المنتجة ولتحالفها مع سارقي المال العام، بما يعوق دورة الإنتاج وهو ما يوسع الفئات المهمشة بالضرورة. الفئات المنتجة للفن الهابط والثقافة السوقية هي الأخرى لازمة من لوازم الحكم الديكتاتوري، إذ مثل تلك الفئة لا يمكن أن تتواجد أو تعيش إلا في ظل حكم ديكتاتوري، وأفرادها وعناصر مكوناتها تدرك بوعي وحس كامل أن الديكتاتورية هي الأصل في وجودها وحمايتها، وأنه لا حياة لها ولا سطوة ونفوذ في مجتمع ديمقراطي يعيد إنتاج نفسه ثقافة وسياسة وفنا من خلال آليات الحوار والصراع والإبداع الراقي الذي شرطه هو وجود الديمقراطية والحرية التي هي نقيض الديكتاتورية. والدكتاتور يدرك هو الآخر وبوعي كامل أيضا، أن نيل دعم تلك الفئات التي تنتج مثل هذا الفن الهابط والثقافة السوقية هو أمر هام وضروري بل وأساسي لكي يظل في السلطة، إذ مثل هذا النمط الثقافي والفني هو ما يحافظ على مستوى متدني من الوعي في المجتمع يسمح له باستمرار البقاء في إدارة المجتمع، ولذا يعمد الديكتاتور إلى إعطاء منتجي الفن الهابط كل الامتيازات ويفتح أمامهم كل المجالات لزيادة تأثيرهم في المجتمع، مع أنه في الأغلب يحتقر مثل تلك الفئات ويود أن يظهر بمظهر المترفع عنهم ولذا يطلق السنة كتبته لنقد هذا الفن وتلك الثقافة من باب الظهور بمظهر الراقي والمنحاز (مظهريا طبعا) للفن الراقي. تلك العلاقة جدلية فالديكتاتور حين يستولى على السلطة لا شك يبحث عمن يؤيده، وهو إذ لا يستطيع تقديم رشى للمثقفين والكتاب الجادين بل هو يدخل في خصومة معهم وكذا الحال مع الأحزاب والتيارات السياسية والفكرية الحقيقية، وهو إذ يدخل في صراع مع أصحاب الشركات الجادة والاقتصاديين أصحاب النشاط الكبير المتوسع بعيدا عن لغة الرشاوى واستغلال النفوذ – وهو بطبيعته لا يحقق إلا مصلحة مباشرة لرجال الأعمال ولصوص المال العام -فإن فئة البسطاء وأعدادهم كثر هم الأخطر على بقاء نظامه، ولذا يبحث الديكتاتور في وسائل السيطرة عليهم، ولا يجد نفسه قادرا على كسبهم أو السيطرة عليهم إلا عبر صناع الفن الهابط، إذ هم أصحاب الفن الرخيص التكلفة والأكثر انتشارا والأكثر تأثيرا على البسطاء. والديكتاتورية من بعد لا تنتج فنا راقيا، إذ رقي الفن يرتبط ارتباطا مباشرا بالحريات فلا إبداع راق دون حرية، ولذا هو من بعد لا يجد بإمكانه في قيادة وإدارة المجتمع إلا الذهاب باتجاه ترك الفن الهابط يتوسع والصحافة الصفراء تنمو وتتوسع وهو من بعد يسعى لنشر الثقافة السوقية، ليبقى. الديكتاتور لا يواصل البقاء بالقمع فقط، بل بالفن الهابط والثقافة السوقية أيضا.