19 سبتمبر 2025

تسجيل

للدولة أو لأجل المفاوضات؟

25 أكتوبر 2012

التاريخ يعيد نفسه ولكن بشكل أكثر مأساة ومهزلة هذه المرة، السلطة تطلب المفاوضات مرة أخرى. تريد لفلسطين أخذ العضوية المراقبة في الأمم المتحدة من أجل العودة إلى المفاوضات. ولكن بتبرير: أنها ستفاوض كدولة محتلة! لا نعرف ولا يعرف أحد ما الفرق بين المفاوضات في الحالتين؟ هل ستحترم إسرائيل وضعية الدولة الفلسطينية المحتلة؟ هل ستتزحزح إسرائيل عن تعنتها والحالة هذه؟ هل يتعاطف المجتمع الدولي مع القضية الفلسطينية بشكل أكبر حين يكون وضعها دولة محتلة؟ نشك أن من يسوق تبرير العودة للمفاوضات يؤمن بما يقول! لكن ما من بد في السير في نهجه وخياره الوحيد فلا خيار آخر لديه. حشر نفسه في زاوية ضيقة ولا منفذ له منها للخروج غير التفاوض. فالحياة وفقا لأصحاب هذا الرأي هي: مفاوضات ثم مفاوضات ثم مفاوضات! يبدو أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لم يستفد من تجربة فشل المفاوضات مع إسرائيل والتي امتدت لما يقارب العشربن عاماً. والتي لم تنتج سوى المزيد من التعنت الصهيوني في رفض الحقوق الفلسطينية جملةً وتفصيلاً، والمزيد من الاشتراطات الإسرائيلية: كالاعتراف بيهودية إسرائيل من الفلسطينيين والعرب. وإجراء المفاوضات في ظل الاستيطان. وبدون شروط مسبقة من الجانب الفلسطيني. ولا نعرف ماذا ستشترط الدولة الصهيونية مستقبلاً على الفلسطينيين من أجل (التكرم) والقبول بالجلوس معهم!! مناسبة القول: حدثان: الأول: الرسالة التي أرسلها عباس للرئيس أوباما، والتي يقول فيها: إن الطلب الفلسطيني بالتقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة والحصول على وضع دولة غير عضو في المنظمة الدولية لا يهدف إلى عزل إسرائيل. بل للحصول على اعتراف دولي يسهل عملية المفاوضات "حيث سنكون مستعدين للعودة إلى المفاوضات بعد حصولنا على الاعتراف الدولي". للعلم: الولايات المتحدة طلبت من الرئيس عباس تأجيل بحث الطلب في المنظمة الدولية لما بعد الانتهاء من الانتخابات الأمريكية، طلع الوفد الفلسطيني علينا بعد قبوله الاقتراح الأمريكي بتبرير التأجيل: من خلال القول: سيتم البحث في الطلب في 29 نوفمبر القادم، والذي يوافق يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني أي كان من الصعب على الوفد ذكر حقيقة التأجيل. رغم استجابة عباس للاقتراح الأمريكي ورغم الرسالة مارست الإدارة الأمريكية على الأمم المتحدة ضغوطات كبيرة من خلال ضغوطاتها على حليفاتها من دول العالم برفض الطلب الفلسطيني، الذي اعتبرته واشنطن "خطوة أحادية" لم تأت بالتنسيق مع الشريك الإسرائيلي (الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة). من ناحية ثانية: هدد الكونغرس الأمريكي بقطع المساعدات والمنح التي تقدمها واشنطن للسلطة الفلسطينية إذا لم تسحب طلبها من المنظمة الدولية. أمريكا كانت قد ضغطت على دول مجلس الأمن حين تقدمت السلطة للمجلس بقبول فلسطين عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة، وبالفعل ونتيجة لتلك الضغوطات لم يفز مشروع القرار بأغلبية الثلثين (حصل على 8 أصوات بدلاً من 9 ضرورية)، ولو افترضنا وحصل المشروع على(9) أصوات، لاستعملت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في التصويت من أجل إبطال القرار. رغم هذا الوضوح الكامل في الموقف الأمريكي المنحاز بالكامل للدولة الصهيونية لم تستفد السلطة الفلسطينية مما حصل، وأصّر الرئيس عباس على إرسال رسالته لأوباما، وكأن لسان حاله ينطق بــ(وافقوا فقط على الطلب وسنعود بعدها للمفاوضات). من خلال ما جرى يتضح بما لا يقبل مجالاً للشك: أن من الأهداف الأساسية لطلب السلطة للمنظمة الدولية بقبول فلسطين"عضواً مراقباً" في الجمعية العامة هو: العودة للمفاوضات مع إسرائيل. نقول ذلك وفي الخلفية: إعلانات عباس المتكررة وقادة السلطة بلا استثناء: أن المفاوضات هي الخيار الإستراتيجي بالنسبة لهم. ورغم فشلها ما زال عباس ينادي بها، فالمقاومة من وجهة نظره تعتبر(إرهاباً) وهي لم تجلب سوى الدمار والكوارث على الشعب الفلسطيني! وكرر هذا الموقف منذ بضعة أيام فقط في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة " يديعوت أحرونوت " الإسرائيلية. وهو يفتخر دوماً بأنه (مهندس) اتفاقيات أوسلو المشؤومة، والتي لم تأتِ بإيجابية واحدة على الفلسطينيين، بل بالضرر الكبير الممتد إلى ما لا نهاية، وكبّلتهم ببنودها والتي جنت إسرائيل منها فوائد كبيرة عنوانها الأساسي "التنازلات الفلسطينية عن حق الفلسطينيين في وطنهم التاريخي"، والتي لم تُسفر ولن تُسفر سوى عن المزيد من الويلات لشعبنا، وعن حكم ذاتي هزيل، منزوع السيادة والصلاحيات. لا يُسمن ولا يُغني من جوع سوى تراجع القضية الوطنية الفلسطينية ومشروعها الوطني عقودا طويلة إلى الوراء. الحدث الثاني: اجتماع الرئيس عباس بمندوبي الدول الأوروبية لدى السلطة الفلسطينية في رام الله، من سفراء وممثلين وقناصل وغيرهم، وطلبه منهم إفهام دولهم بأن السلطة الفلسطينية تقبل بالعودة إلى المفاوضات إذا ما جرى اعتماد بيانات دول الاتحاد حول القضية الفلسطينية كأساس وخلفية لها! للعلم فإن دول الاتحاد الأوروبي (ورغم نسبة تقدم الموقف اللفظي لها مقارنة مع الموقف الأمريكي) لكنها لن تتجاوز بأي حالٍ من الأحوال سقف الموقف الأمريكي ووجهة نظر واشنطن فيما يتعلق بالتسوية السياسية بين إسرائيل وكل من الفلسطينيين أو العرب. ومع ذلك يريد الرئيس عباس أن تكون بيانات دول الاتحاد خلفية للمفاوضات، ولا يقول مرجعية الأمم المتحدة (مثلاً)! إن كل الاشتراطات التي أعلنها عباس مرارا حول وقف الاستيطان من أجل العودة للمفاوضات لم يلتزم هو بها ولا السلطة. إذا يجري الالتفاف عليه بصيغ أخرى: كالمفاوضات الاستكشافية (وقد أطلق عليها هذا الاسم) التي جرت في العاصمة الأردنية عمان. كذلك دبلوماسية الرسائل مع نتنياهو وهكذا دواليك. ثم لا نعرف الاسم الكودي الذي سيطلقه عباس عليها في جولة المفاوضات القادمة. نتنياهو رغم تقديمه لموعد الانتخابات التشريعية في إسرائيل صرح مرارا بأن الاستيطان لن يتوقف في القدس ومنطقتها ولا في الضفة الغربية. حكومته ورغم الاقتطاعات المالية من ميزانية 2013 أقرت خططا جديدة للاستيطان. فما الذي يريده عباس والسلطة أكثر من هذه الدلائل؟ لا نود لمثَلَ (النعامة) أن ينطبق على السلطة الفلسطينية"تدفن رأسها في الرمل وتقول لا أرى"، لكنه للأسف ينطبق، رغمها. فالسلطة حائرة في خياراتها السياسية المحدودة التي عمل عباس على تضييقها حتى أصبحت مثل "سم الأبرة"!