11 سبتمبر 2025
تسجيلماذا يمكن أن يفعل الإنسان عندما يجد نفسه فجأة قد تخلى رغما عنه عن كل مخططاته التي كان يحلم بها في حياته، ليتسلم دورا جديدا مختلفا لم يكن ليخطر له على بال؟. فالحياة والواقع يفرز لنا حكايات لا تنتهي عن تبدل الأدوار المفاجئ، وقد قالت لي سيدة يوما إنها عندما لم تتجاوز الثامنة من عمرها، توفيت والدتها شابة تاركة وراءها أربعة أطفال كانت هي أكبرهم، وماتزال تذكر عندما اجتمع والدها وجدها لأمها بعد فترة قصيرة ليتباحثا في شأن تربية هؤلاء الأطفال، وكيف أن جدها أصدر قرارا صارما لا رجعة فيه، يرغم فيه خالتها أن تنفصل عن خطيبها الذي تحبه لسنوات كي تتزوج من زوج أختها، وتقوم بتربية أبناء أختها الصغار، فهم الأولى أن تقضي حياتها معهم، وتقوم بدور أختها الراحلة، وتذكر أن خالتها بكت بكاء مرا قبل أن تنتقل للعيش معهم، وما أن دخلت هذه الخالة إلى المنزل واستلمت دورها الجديد حتى بدأت في الانتقام من هؤلاء الصغار بضربهم لأتفه الأسباب، وتكليفهم بأعباء المنزل الشاقة، وتذكيرهم بأنهم كانوا السبب في دمار حياتها، وحرمانها ممن أحبته وخططت لحياتها معه، وعاشت معهم في حالة مزاجية سيئة وعصبية لا تنتهي. وبعيدا عن إعطاء العذر، أو إلقاء اللوم، فلا شك أن هذه المرأة رفضت كل حياتها، لأنها رفضت الواقع الذي فرضته عليها الحياة، ولم تستطع أن تقدر الدور الجديد المفاجئ الذي سلمته لها الأقدار. وقد رأيت أيضا من ارتضى دور الأم بعد وفاة زوجته، إلى جانب دوره كأب إلى أن كبر أطفاله، فأحيانا نجد أن الحياة فرضت علينا دورا جديدا، لم يكن في حسباننا، وقد نشك في مقدرتنا على القيام به. وهناك مَن يعيش حياة طويلة سهلة، وهو خال ومجرد من أية مسؤولية يتحملها، ويجد نفسه فجأة وبين ليلة وضحاها قد وقعت على كاهله أكبر مسؤولية يمكن أن يتحملها، وغالبا ما يذكرني هذا الموقف بفتاة كبرت بين والديها في رفاهية ودلال، لا تعرف للمسؤولية أي معنى، ولا أن تدبر أي من مهام المنزل، وبعد أن اختار لها والداها زوجا لا يقل عنها رفاهية، اختارت لها الحياة والأقدار أن تتحمل المسؤولية الكاملة عندما أنجبت طفلا مريضا معاقا، وكيف أنها تقبلت ذلك الدور الجديد الذي كلفتها به الحياة، ولم تر أي مبرر للألم الذي كان بوالديها، ونظرات الشفقة اعتقادا منهما بقصورها عن تحمل كل ذلك، وفي الوقت نفسه كانا ينظران نظرة إعجاب وتعجب إلى طفلتهما الصغيرة المدللة التي أجادت ببراعة دور الأم العظيمة والممرضة الصبور الرحيمة، فقد قامت بدورها بكل قوة وتحمل، مما أثر تأثيرا إيجابيا على كل جوانب حياتها، فاستطاعت أن تحيا الفرح وتتذوقه، كما استطاعت أن تشعر الضيق وتتحمله، فخلقت لنفسها حياة سعيدة رغم كل ما كان بها من مسؤولية وألم. علينا أن نتهيأ لما قد تعطيه الحياة لنا من أدوار فيها الكثير من التضحية وتقديم التنازلات، قد يصعب علينا تغييرها، فالحياة لا تتوقف، وتوزيع الأدوار مستمر. علينا أن نثق في قدراتنا وأن الأقدار لن تعطينا أبدا أكثر مما تتحمله أكتافنا، فلا بد أننا قادرون على تحمل كل دور جديد قد تكلفنا به الأيام، مهما كانت قسوته علينا، ومهما أرهبنا حجمه. إنها الحياة التي لا تخلو من مفاجآت، بالطبع قد تكون مريرة، قوية وقاسية، لكننا حتما خلقنا كي نكون.. الأقوى والأقدر. [email protected]