10 سبتمبر 2025

تسجيل

كونوا على قدر الأمانة

25 سبتمبر 2023

يوم السبت الماضي وهو يوم عطلة رسمية جلست على طاولة الطعام أتناول فطوري المتأخر بهدوء، فحضر ابن أخي وهو طالب في الصف الخامس واستأذنني للجلوس على الطاولة وحل واجباته المدرسية فجلس وفتح الكتاب بجانبي وبدأ يقرأ الأسئلة التي تأتي عادة في نهاية الدرس - ولا أذكر حقيقة أي مادة كانت - ثم يحل فاستوقفني خطه السيئ والإملاء الذي صدمني أكثر فقلت له وأنا غاضبة: لم خطك رديء ولا تعرف الإملاء جيدا؟! فواجهني بابتسامة خجولة ولم يرد وهو يشعر بالحرج من سؤالي فجاءت أُمه لمتابعة دروسه فسمعتني وقالت: ما خفي أعظم يا ابتسام تخيلي أنه تم إلغاء الدفاتر والنسخ وما كان من أصول التدريس التي تعلمناه سابقا اختفى الآن ! فمسكت كتابه ووجدت أن المعلم قد صحح له الأجوبة وكتب له أحسنت رغم الخط السيئ غير المفهوم والإملاء الأسوأ فسألت على ماذا أحسنت أيها المعلم الموقر الذي أردت أن تخلص زحمة الكتب أمامك فصححت ما هو خطأ ثم عززت للطالب بعبارات الاستحسان والإشادة ؟! على ماذا أحسن هذا الطالب وغيره وابن أخي قد كتب على سبيل المثال لا الحصر كلمة (لانة) عوضا عن كلمة ( لأنهُ )! فهل رأيت الفرق بين الكلمة الأولى التي لربما جاءت من اللغة الهيروغليفية أو الفينيقية القديمة ولا تمت للعربية بأي صلة وبين الكلمة الصحيحة الثانية؟. في زماننا كنا نُعاقب أو نُكلف بنسخ الدرس مرات عدة ونسخ الجمل لمائة مرة أحيانا وكانت هناك كراسة خاصة فقط بالنسخ وكراسة أخرى بالإملاء وثالثة للإنشاء، فأين كل هذا اليوم من الطلاب الذين يرتقون لصفوف أعلى والإملاء لديهم سيئ والخط رديء ولا يستطيعون إنشاء قصة قصيرة لعناصر مكتوبة تساعدهم على تركيب وسرد الفقرة الواحدة سواء كانت قصة أو سردا لحدث ما؟! لم التعليم اليوم في الوقت الذي نقول إن أسلوبه قد تطور هو في الحقيقة يتراجع للوراء من حيث لا يدري المعنيون أو يدرون؟، فطالب في الصف الخامس لا يعرف الإملاء جيدا ولا يجيد صياغة الجمل وتركيبها ولا الحركات ولا الأفعال ولا محل الرفع بالضمة أو بجمع المذكر أو المثنى فهذه مصيبة كبيرة وأرجو ألا يقول أحدهم إن هذا دور البيت لا فما يتلقاه الطالب في المدرسة هو أول ما ينهله من ينبوع العلم والدراسة ويأتي البيت للمتابعة وما يرسخ في ذهن التلميذ أولا لا ينفع انتزاعه في المنزل فيقع الطالب في حيص المدرسة وبيص البيت وفي رأيي أن المقاييس التي ينجح بها الطالب اليوم خصوصا في المرحلة الابتدائية بات مشكوكا بها إن كان الطالب يصل لنهايتها وهو بهذا السوء في التعبير والخط والإملاء وطلاقة اللسان فقد كنا في مدارسنا نصيغ الفقرات ونطلق لخيالنا العنان ليكتب ويعيش السرد وكأنه حقيقة وننسخ دروسا وجُملا وكلمات وحين نقف لنجيب على سؤال المعلمة لا نتلعثم أو تصيبنا تأتأة عجيبة من أن نخطئ في الجواب ولم نكن نخجل من الخطأ أساسا لأننا نعلم بأننا سنتعلم الصواب ولن نخطئ مرة أخرى وفي كل مرة كنا نخطئ فيها كانت المعلمة توجهنا بأسلوب يعلمنا ولكن اليوم فالأجيال مظلومة من تأسيس قوي ويكبرون على زرع أصفر لا سقيا له من ماء صالح للسقيا والمصيبة أن فوق كل هذا يأتي مثل هذا المعلم لُيشعر الطالب أنه أجاد فاستحق التقدير دون أن يوجهه إلى أن هذه الكلمة خطأ وأن التاء المربوطة تختلف عن هاء الضمير وأن الهمزة تصنع فارقا في الكلمة وفي صياغة الجملة وأن خطك أيها التلميذ يجب أن يتحسن بنسخ هذه العبارة مرات عدة وأن كراسة النسخ يجب أن تحيا من جديد والإملاء والإنشاء وكل من شأنه أن يعلم التلميذ أن يكتب ويحرك أصابعه عوضا عن تحريكها فقط (للبلاي ستيشن والآيباد والجوال) وإلا فلن يخرج جيل يتحدث أو يكتب ببراعة، فالمسألة ليست شهادة يرتقي منها لصف أو مرحلة أخرى ولكنه التعليم الذي افتقر كثيرون لأمانته التي امتنعت الجبال عن حملها فحملها الإنسان للأسف!.