19 سبتمبر 2025
تسجيلخلال الأسبوع الماضي، كانت قطر طرفًا رئيسيًا في إطلاق سراح خمسة مواطنين أمريكيين كانوا سجناء في إيران. وكانت هذه الترتيبات جزءًا من صفقة تم بموجبها العفو عن خمسة مواطنين إيرانيين كانوا مسجونين في الولايات المتحدة بتهم انتهاك العقوبات المفروضة على إيران. وتضمنت الصفقة أيضًا إلغاء تجميد 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية التي تم تحويلها إلى البنوك في الدوحة، وتحويلها إلى اليورو. وفي شهر يونيو، استضاف المفاوضون الذين عينتهم الحكومة القطرية محادثات، كانت سرية في البداية، بين الولايات المتحدة وفنزويلا بشكلٍ منفصلٍ. وكانت الدولتان قد دخلتا في صراع على مدار العقدين ونصف الماضيين، منذ قدوم النظام اليساري إلى السلطة في عام 1999. ورسخت دولة قطر، التي استضافت أيضًا مفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران وبين واشنطن وحركة طالبان، من وضعها بصفتها دولة محايدة يحظى مفاوضوها ونظامها المصرفي بالثقة. وهذه الحيادية سمة مثيرة للاهتمام لعالم بات متعدد الأقطاب على نحو متزايد، حيث لا تجد البلدان الأصغر حجمًا نفسها مضطرة إلى اتخاذ موقف في النزاعات القائمة بين الدول العظمى. وليست قطر الدولة الوحيدة التي تحتفظ بعلاقات عمل فعالة مع القوى المتباينة. ومن الأمثلة الأخرى دولة كينيا، التي كانت قد تلقت استثمارات في البنية التحتية من الصين، ومساعدات عسكرية من كل من الهند والمملكة المتحدة، بينما كانت تتفاوض على صفقة تجارية مع الولايات المتحدة، بعد أن وقعت على اتفاق مماثل مع الاتحاد الأوروبي. وقد سعت بعض الدول إلى عدم الانحياز للإمبراطوريات الكبرى أو الكتل التجارية منذ أمدٍ طويلٍ، ولكن خلال الحرب الباردة، كان من الصعب بالنسبة للدول الصغيرة عدم الانحياز، ولكن السعي لاتخاذ موقف محايد قائم منذ وقت طويل. فقد كانت الهند وإندونيسيا زعيمتين في مؤتمر باندونج في عام 1955، وهو حدث تاريخي اجتمعت فيه دول الهند وباكستان وإندونيسيا وبورما (ميانمار) وسيلان (سريلانكا) معًا لاغتنام الفرص التي أتاحتها عملية إنهاء الاستعمار مع انسحاب القوى الأوروبية من إمبراطورياتها العالمية. وتعهدت الوفود التي حضرت في مؤتمر باندونج بالتعاون المشترك وتقرير المصير الوطني، فضلا عن ضمان حقوق الإنسان. وكانت حركة عدم الانحياز قد بدأت كذلك في خمسينيات القرن العشرين في وقت بدا فيه أن الحرب الباردة تقدم خيارًا ثنائيًا، ولا تزال هذه الحركة قائمة وتضم في عضويتها 120 دولةً. وعندما تفكك حلف وارسو في بداية التسعينيات، برزت الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة، ولكن مع الصعود الاقتصادي لدول أخرى، وخاصة الصين، انتهت معادلة القطب الواحد. وبات ميزان القوى الناتج مختلاً ومعقدًا. وربما يبدو أن مجموعة دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) هي التجسيد الحديث لمؤتمر باندونج وحركة عدم الانحياز، ولكنها تحتوي على كل من روسيا والصين، وقد تزايدت التوترات بين هذه القوى والغرب، خاصة منذ اشتداد حدة النزاع في أوكرانيا في عام 2022. وقد التقى رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، بالرئيس الروسي بوتين في أوائل شهر سبتمبر، وتعهدا بالوحدة في الصراع مع الغرب. والفارق الرئيسي للوضع الحالي مع الوضع الذي ساد إبان حرب الباردة في الفترة من 1950- 1990 هو البعد الاقتصادي. ولم يعد الفارق يتمثل في أن الدول الصناعية المتقدمة التي لديها طبقة متوسطة كبيرة تتواجد فقط في أوروبا الغربية واليابان وأستراليا وأمريكا الشمالية، حيث يمكن العثور على سمات الاقتصاد المتقدم في جميع أنحاء مجموعة العشرين والعديد من الاقتصادات الأخرى. وفي عام 1960، كان الاقتصاد الأمريكي يشكل 40 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين كان الاقتصاد الصيني يشكل 4 % فقط. وفي الوقت الراهن، بات الاقتصاد الأمريكي يشكل 25 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بينما يستأثر الاقتصاد الصيبني بنسبة 16 %. وليست الصين المثال الوحيد، حيث إن إندونيسيا هي رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وهي دولة ديمقراطية فاعلة تمتلك عاشر أكبر اقتصاد في العالم، من حيث تعادل القوة الشرائية، وقد خفضت إندونيسيا معدل الفقر إلى النصف بين عامي 1999 و2019، وفقا للبيانات الصادرة عن البنك الدولي. وتصدر دول الخليج كميات كبيرة من النفط والغاز إلى آسيا تفوق كميات ما تصدره إلى الغرب؛ كما أن لديها بنية تحتية حديثة، وطبقة متوسطة كبيرة، وتعمل على تنويع اقتصاداتها. ويرتبط النفوذ بالقوة الاقتصادية، حيث توجد مصادر متعددة لرأس المال، وخيارات للشراكات الاقتصادية الإستراتيجية، في عالم متعدد الأقطاب. وعلى الرغم من تصاعد التوترات بين الشرق والغرب، فمن غير المرجح أن يعود العالم إلى وضع لا يوجد سوى كتلتين مهيمنتين. ومن العوامل الأخرى أن المؤسسات الرئيسية للدول الغربية في مجال المساعدة والتعاون الاقتصادي العالمي تعود إلى عصر مختلف. فقد تأسس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في عقد الأربعينيات من القرن العشرين. وحسبما صرحت ميا موتلي، رئيسة وزراء بربادوس، في مؤتمر قمة نظمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال شهر يونيو الماضي: "عندما تأسست هذه المؤسسات، لم تكن بلداننا موجودة". ويُعد بنك التنمية الجديد، الذي أنشأته دول البريكس في عام 2016 برأسمال مبدئي قدره 100 مليار دولار، بديلا موثوقا للوكالات الغربية، وربما سيتم إنشاء المزيد من هذه المؤسسات. ومن الممكن أن يكون انتشار مصادر رأس المال مفيدًا، ولا ينبغي أن يؤدي بالضرورة إلى حدوث مواجهة. وحيثما تنشأ التوترات، تكون الدول الصغيرة المحايدة مثل قطر في وضع جيد يتيح لها إمكانية التوسط لحل النزاعات.