27 أكتوبر 2025

تسجيل

"الأُوتُوكيو- وِيُون"

25 سبتمبر 2019

استخدامَ التكنولوجيا في الإعلام أمرٌ مُهم وحتمّي ولكن يجب ألّا تتغوّل على الإنسان التكنولوجيا في أحيانٍ كثيرة تُبلّد الموهبة وتجعل بعضَ المذيعين يعتمدون على ما يُكتب في جهاز الـ Autocue ظهَر جهازُ القراءة في التلفزيون الـ (Autocue )، مع التطوّر التكنولوجي، كي يُساعد المذيع في تواصل عينيه (Eye Contact) مع المشاهدين، ويتجنّب الخطأ فيما لو قرأ من الورقة التي بين يديه، أو ضاعَ بين السطور، ورغم فعالية الجهاز وسهولة القراءة منه، إلا أنه يحرمُ المذيعَ من نعمةِ البحث والمعرفة، خصوصاً في ظل وجود مُعدٍّ للبرنامج! لذلك لا نستغرب أن يدخل بعضُ المذيعين إلى الأستوديو قبل خمس دقائق من البث، مُعتمدين على جهاز القراءة، دونما أية معرفةٍ سابقة عن فقراتِ البرنامج، خلفياتِ ضيوفه، مدةِ الفقرات.. إلخ، ولهذا الجهاز سلبياتٌ عديدة، رغم إيجابياته، كشَكلٍ أنيق للتواصل، ومن هذه السلبيات: حرمان المذيع من التطوّر في الإعداد. رتابة الحوار عبر هذا الجهاز، لأن المذيع لا يَستنتجُ الأسئلة من إجابات الضيف، فتبدو بعض الحوارات ولكأنها «مدرَسية» أو «روبوتية»!. عدم تطوّر قُدرات المذيع، ورتابةُ إيقاع البرنامج، كون المذيع غير قادر على الخروج عن النص. عدم استخدام المذيع للمكتبة أو قسم التنسيق، لمعرفة المواد التي ترد إلى التلفزيون، لذلك نجد نُدرةً في المُعدّين القطريين، مقارنة بجيل التلفزيون الماضي في السبعينيات والثمانينيات. لو حصل أن توقّفَ جهازُ القراءة في برامج مباشرة، فإن بعض المذيعين سوف يُحرَجون جداً، لأنهم لم يتأسَّسوا تأسيساً سليماً، وهذه إشكالية كبيرة. التدريب المستمر من الأمور المُهمّة في العمل الإعلامي، وكذلك حضور الدورات المُتخصِّصة في مجال الإعداد والتقديم التلفزيوني، لأن جهاز القراءة لا يُعلِّم، بل يخلقُ إنساناً «مُردِّدَاً» لما كتبهُ المُعدّ، وحتى في وجود هذا الجهاز، فإن له آليةً يجب على المذيع إتقانها، حتى لا يبدو وكأنه يحفظ المادة. إن ثقافة المذيع تراكمية بالطبع، ويجب أن يكسب كُلَّ يومٍ جديداً، وما لم يتفرّغ لمهنة المذيع ويعشقها بشكل جيد فإنه لن يتطوّر، فإذا قضى أحدُهم عشر سنوات في عمله كمذيع، وما زال لا يستطيع إعداد برنامج أو كتابة أسئلة الحوار أو تقديم المادة بنفسه، فإن ذلك مخالفٌ لطبيعة المهنة. هنالك بشرٌ خلقهم الله كي يكونوا مذيعين لامعين، من حيث استواء الخِلقة، وحُسن مخارج الألفاظ، واستواء الصوت، والتحكُّم في التنفس والإيقاع، ودعموا ذلك بمعرفةِ قواعد النحو والصرف، لأن اللغة السليمة من أساسيات الاتصال التلفزيوني، ثم تأتي بعد ذلك الثقافة العامة والإحاطة بما يدور في المجتمع والعالم من أحداث ومفاجآت وغرائب، والمذيع الجيد لا يَخلقهُ قرارٌ إداري، مثله مثلَ الشاعر والفنان التشكيلي والعازف والمطرب. أعتقد بعد ثلاثين عاماً من العمل في التلفزيون ومهنة المذيع المُنتج، أن التكنولوجيا في أحيانٍ كثيرة تُبلّد الموهبة، وتجعل بعضَ المذيعين اتكاليين يقف دورُهم عند حدود قراءة ما يُكتب في جهاز الـ (Autocue)، فتبدو برامجُهم جامدةً وحَذرةً وغيرَ مُقنعة للمشاهدين، على عكس بعض المذيعين الذين اعتمدوا على أنفسِهم، وحاولوا تطوير ذواتهم بالمعرفة والتدريب المستمر، ولنا في مذيع تلفزيون قطر (محمد النويمي) المثال الأوضح هنا، فلقد سبقَ هذا المذيع مذيعون كُثر، لم يبرز منهم أحد، والسبب واضح، إما عدم الاستعداد الفطري للمهنة، أو التشجيع غير المدروس، أو التغافل عن أساسيات المهنة. إن مهنة المذيع رائعةٌ وجميلة، ومن حقِّ المذيع أن يكون لامعاً ومؤثِّراً في مُجتمعه، ولكن هذه الميزات لا تأتي دون تعب ودون إِعمال العقل والتدريبِ المستمر من أجل النجاح، كنّا في السبعينيات نُسجّلُ البرامج التي نُقدّمها ثم نقوم في اليوم التالي بمشاهدة التسجيل، ونقد أدائِنا ونقفُ على الأخطاء التي ارتكبناها، ناهيك عن وجود أستاذ لغة عربية هو (الأستاذ زهدي أبوخليل) الذي كان يراقب كُلَّ نشرة ِأخبار ويقدّم فيها تقريراً كُلَّ صباح إلى رئيس قسم المذيعين، الذي يجتمع مع كُلِّ المذيعين، ويناقشهم في الأخطاء النحوية واللفظية التي ارتكبوها في الليلة السابقة، بل كان بعضُنا يأتي بمُدرس لغة عربية كي يُدرّسهُ النحو والصرف، والآن وبوجود قناة (الجزيرة) وكفاءةِ العديد من مذيعيها، فإن الفرصة مُتاحة للمذيعين الشباب أن يداوموا على مشاهدة هؤلاء المذيعين، وكيف يتعامل بعضُهم بنجاح، وقوة شخصية، وكيف يخرج بعضُهم عن الـ (Autocue)، في حواره مع ثلاثة أو أكثر من الضيوف، تبعاً للتطورات الحاصلة في القضية المُثارة، وأيضاً هنالك فرصة كي يتعلم المذيعون الشباب كيفيةَ إعداد البرنامج، فالحوار في برنامج حواري من ساعة، يختلف عن اللقاء في برنامج منوّع، حيث لا يستحمل هذا الأخير لقاءً لأكثر من عشر دقائق كونه منوّعاً، وبه فقرات عديدة، ونحن ندرك أن المقابلة من أسهل المواد التي تُعبّئ وقت البرنامج، ويتحايل بعضُ المعدّين في التلفزيونات العربية، لملءِ وقت البرنامج، بتطويل المقابلة! وهذا ليس في صالح المحطة، لأن المقابلة الخاصة تختلف عن تلك المشمولة في برنامج منوّع. هنالك حقيقة إعلامية لا يُدركها كثيرٌ من المذيعين، وهي الاكتشاف (Discovering)، تناولتها في كتابي (المذيع التلفزيوني.. مبادئ ومواصفات) الصادر عام 1981، حيث لابد أن يقوم المذيع المحاوِر بالجلوس قبل البرنامج مع ضيفه، كي يتعرّف على شخصيته، ويساعده ذاك الاكتشاف في وضع الأسئلة، وتحديد مدّة المقابلة، فيما لو كان الضيف خجولاً قليلَ الكلام، أو لديه عيوبٌ في النطق أو خفوتٌ في الصوت، فيُنبههُ المذيع لرفع صوته وعدم الاهتمام بما يدور في الأستوديو. ولكن السرعة - هذه الأيام – والاعتماد على المُعدِّ، يجعل الاكتشاف ثقيلاً على المذيع، على الرغم من وجود الإنترنت التي توفِّر معلوماتٍ كافيةً عن الضيف. وبعد فإن استخدامَ التكنولوجيا في الإعلام أمرٌ مُهم وحتمّي، ولكن يجب ألّا تتغوّل هذه التكنولوجيا على الإنسان وتجعل منه «روبوتاً» ناطقاً في يدها!. [email protected]