18 سبتمبر 2025

تسجيل

اكتشاف المعنى أم بناء المعنى؟

25 سبتمبر 2019

لا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم طالما كان همه المستمر هو اكتشاف المعنى وليس بناء المعنى، عند كل مشكلة أو إشكالية تنصب المحاولات على إعادة اكتشاف المعنى والحل لها. محاولة اكتشاف المعنى تعني أنه واحد غير متعدد وهنا يبدأ الخلاف والصراع، بينما محاولة بناء المعنى تعني أنه متعدد متجدد. الماضوية التي نعيشها ولا نكاد نبارحها، تنطلق من محاولاتنا المستمرة لاكتشاف المعنى المستقر وليس العمل على بناء معنى أو معانٍ كما تبنى العمارات، لأن المعنى متجدد ويتجدد دائما لكي يبقى معنى. إحالتنا المستميلة للماضي لإيجاد حلول من داخله تجعل من المعنى واحداً والبحث لاكتشافه كمحاولة البحث عن النفط في أي مكان في هذا المعمورة. فالنفط هو النفط سواء وجد في آلاسكا أو وجد في الصين؛ بينما المعنى ليس مادة وإنما فهم تحكمه ظروف وجغرافيا وتاريخ، لذلك محاولة اكتشافه تعني تجميد كل هذه الظروف التاريخية والجغرافية والديموغرافية في لحظة واحدة كانت صالحة وتحتمل معنىً معيناً في حينه. بينما بناء المعني مشروع يأخذ بالظروف والواقع والوقت. نحن نحتاج إلى بناء مستمر للمعنى في ثقافتنا وليس محاولة اكتشافه باستمرار. ما كان يصلح للسابقين لم يعد يصلح للاحقين بنفس المعنى لا سياسياً، ولا ثقافياً، ولا اجتماعياً. قلما تقتحم عملية البناء تاريخنا، فمعظمه استعادة واكتشاف، اكتشاف معنى العدالة مثلا لدى بعض الصالحين في الزمن الماضي لا يصلح لنا هكذا مجرداً، لأن ذلك كان ورعاً شخصياً لفئة قليلة. ما نحتاجه اليوم هو بناء جديد لمعنى العدالة يأخذ مفهوم الرقابة والمشاركة وغير ذلك مما يتفق وتعقد أسلوب الحكم وضخامة المجتمعات والاقتصادات.. أيضا نحتاج إلى بناء فقه جديد يتفق وظروف العصر.. كذلك نحتاج إلى الإقلال وربما إقفال مصادر الصوت الواحد الذي يدعو لاكتشاف المعنى بدلا من بنائه بالرد إلى الماضي، واقتناص صور فوتوغرافية وكأنها المجال العام والسائد. علاقاتنا التي تزداد عمودية يوماً بعد آخر مع السلطة وأصحاب القرار على حساب العلاقات الأفقية الصحية لبناء المعنى وتصحيح النفوس، دليل واضح على أننا نبحث عن المعنى لعجزنا عن بنائه كما تبنى الأهرامات. المعنى في الحياة هو مستقبل دائم وليس ماضياً تاماً.. تاريخ الدولة لدينا كأمة هو تاريخ اكتشاف للمعنى، لذلك نُهزم كل يوم ولانزال نتغنى بحضارة 5000 سنة أو بحضارة ما بين النهرين، أو بالغوص على اللؤلؤ. المعنى الجاثم هناك يحتاج إلى عملية بناء تجعل منه حاضراً يتجسد وليس عملية اكتشاف، كما هي قائمة اليوم سواء بالرجوع إلى النسب أو القبيلة أو باتصال مع النسب الشريف والعصابة الذكية التي أدركت شراهتنا لاكتشاف المعنى لا بنائه فاستغلت ذلك بتزييف التاريخ وربط كل من يدفع أكثر بالنسب الشريف. وهكذا يكون المعنى قد بلغ ذروته وسنام جهاده. [email protected]