28 أكتوبر 2025

تسجيل

ابتدأ نزول القرآن الكريم في العشر الأخير

25 سبتمبر 2014

لقد اختار الله تعالى من الأيام والليالي أياما وليالي جعلها مواسم خير ، وأيام عبادة ، وأوقات قربات، وهي بين أيام السنة، كأوقات الضحى من النهار ، قليلة عزيزة وبين لياليها كالساعات الأولى عند انبلاج الفجر ، ما تلبث أن تذهب سريعا ، والرشيد السعيد من تعرض لها، ونهل من خيرها، ومن هذه المواسم النيرات، والنفحات المباركات، أيام العشر الأول من ذي الحجة الحرام، فقد آثرها الله على ما سواها، فرفع من شأنها واجتباها، وجعل ثواب العمل فيها أعلى من ثوابه فيما دونها، علاوة على ما خصها الله تعالى به من أعمال فريضة الحج التي لا تكون في غيرها. وإن إدراك هذه العشر نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على عباده ، لأنه يدرك موسماً من مواسم الطاعة التي تكون عوناً للمسلم - بتوفيق الله - على تحصيل الثواب واغتنام الأجر، فعشر ذي الحجة "هذه هي الأيامُ العشر التي1-أقسم اللّه بلياليها في قوله: ""وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ"[1] "(وهو قول ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف - رَضِيَ الله عنهم - ). قال ابن كثير في تفسيره: وهو الصحيح وهكذا قد تبين فضل وأهمية هذه الليالي العشر الأول من شهر ذي الحجة بأن الله تعالى قد أقسم بها والإقسام بالشيء دليل على أهميته وعظم نفعه.2-بل ورد أنها هي العشر التي أتم الله -تعالى- بها الميقات لموسى -عليه السلام- لِتلقي الألواح في قوله -تعالى-: "وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً" قال ابن كثير : " الأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة والعشر عشر ذي الحجة... فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النحر، وحصل فيه التكليم لموسى -عليه السلام-,3-وفيها أكمل الله الدين لمحمد -صلى الله عليه وسلم- قال -تعالى-: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً " وعليه فقد ابتدأ نزول القرآن الكريم في العشر الأخيرة من رمضان في ليلة القدر واكتمل نزوله في العشر الأول من ذي الحجة بنزول قوله تعالى " اليوم أكملت لكم .." الآية يوم عرفة.4- وهي الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكر الله قال تعالى :" " وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ"[2] قال ابن عباس - رَضِيَ الله عنهما -: الأيام المعلومات هي أيام العشر، وهو مذهب الشافعي والمشهور عن أحمد بن حنبل. وهذه العشر مشتملة على يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر ويوم القر. وفي الحديث "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد"[3] .ثم تكون المعدودات عقبها " وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى "[4] والأيام المعدودات أيام التشريق الثلاثة " الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة)5- وفى عاشر هذه الأيام قال تعالى "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ""[5]، فالصلاة هنا صلاة العيد والنحر ذبح الهدي والأضاحي، وهو خاتمة الأيام المعلومات المشار إليها آنفا. ولهذا في الصحيح:- (إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح فإنما هو لحم قدّمه لأهله ليس من النُسُك في شيءٍ..)[6] هذه أدلة فضل الأيام العشر من الوحي المعصوم.ومن السنة1-أفضل أيام الدنيا فى الصحيح " أفضل أيام الدنيا العشر – يعني عشر ذي الحجة – "[7]2- في تاسع هذه الأيام قوله - صلى الله عليه وسلم -: " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟)[8] يوم عرفة الذي أكمل الله فيه الدّين وصيامه يكفّر آثام سنتين3-العمل الصالح فيها ( سائر شعب الإيمان وأركان الإسلام ) يعدل الجهاد بل يفوقه - حينا - في الصحيح: ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر . قالوا ولا الجهاد في سبيل الله !! قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء"[9]4- عظيم الأجر والثواب على الأعمال الصالحة فيه للحديث: ( ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ، ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى . قيل : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ، فلم يرجع من ذلك بشيء [10]" قال ابن تيمية – رحمه الله - في اختياراته: (استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلاً ونهاراً أفضل من جهاد لم يذهب فيه نفسه وماله؛ للأخبار الصحيحة المشهورة.."لهذا على المسلم أن يستشعر نعمة إدراك هذه الأيام، ويستحضر عظم أجر العمل فيها، ويغتنم أوقاتها ودقائها الغالية فلا يُرخصها بالغفلة ، وأن يُظهر لهذه العشر مزية على غيرها ، بمزيد الطاعة ، وهذا شأن سلف هذه الأمة ، كما قال أَبُو عُثْمَانَ النهدي - رحمه الله -: (كَانُوا يُعَظِّمُونَ ثَلَاثَ عَشَرَاتٍ؛ الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنَ الْمُحَرَّمِ , وَالْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ, وَالْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ)[11] وهذه العشرات الثلاث تتفاوت فيما بينها وأفضلها عشر ذي الحجة قال ابن حجر[12] – رحمه الله تعالى - في الفتح : وسبب امتياز عشر ذي الحجة ، اجتماع أمهات العبادة فيه ، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ، ولا يتأتي ذلك في غيره. وقد سبقه إلى ذلك الحافظ ابن كثير [13]– رحمه الله تعالى - – لذا كان سعيد بن جبير : إذا دخلت – هذه - العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يُقدَرُ عليه ، وكان يقول: "لا تطفئوا سُرُجكم ليالي العشر"[14]. وختاما : قال المحققون من العلماء: أيام عشر ذي الحجة أفضل من سائر أيام السنة بلا استثناء ففيها يوم عرفة ، وفيها يوم النحر أعظم أيام السنّة بل أعظم الأيام عند الله وهو يوم الحجّ الأكبر الذي يجتمع فيه من الطّاعات والعبادات ما لا يجتمع في غيره وقال فيه رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ -: ( أعظم الأيام عند الله تعالى، يوم النحر، ثم يوم القرّ )[15]. ولكنّ ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة ، لاشتمالها على ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر[16] .