16 سبتمبر 2025
تسجيلالمستوى المتقدم الذي حققته دولة قطر في تقرير المشهد الرقمي للعام الحالي، وأصدرته وزارة الاتصالات، باعتبار أنّ الدولة من أفضل "10" دول عالمياً في استخدام تكنولوجيا المعلومات، يطرح تساؤلات عن التحديات القائمة أمام صناعة التقنية، وكيفية اجتيازها أو إيجاد حلول لها، وما الدور الذي لعبته المؤسسات الحكومية لتخطي تلك الصعوبات. وهذا يحدوني إلى مناقشة القوة التنافسية الذي حققته الدولة، وانعكاسها على أوجه الأنشطة المختلفة، خاصة القطاعات الرئيسية مثل الطاقة والخدمات والبنية التحتية وغيرها. أودّ التركيز هنا على حجم الإنفاق السخي الذي تقدمه الدولة، وكذلك دول مجلس التعاون الخليجي بضخ موازنات ضخمة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتي يقدرها المركز المالي لدول التعاون بـ"318"مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، فيما يقدر إجمالي إنفاق حكومات الشرق الأوسط على تكنولوجيا الاتصالات بـ"17،7"مليار دولار مدفوعاً بالاستثمارات الضخمة في قطاع الاتصالات، ومتوقعاً أن يصل متوسط الإنفاق السنوي "64" مليار دولار. هذا يجعلنا ننظر إلى قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعرفة كصناعة فرضت نفسها في اقتصادات الدول، وباتت صناعة رائجة وأساسية تدخل في صلب القطاعات الصناعية العملاقة، خاصة الطاقة والبيئة والخدمات المالية والصناعات الإلكترونية والحاسبات مثلاً. وإزاء الإنفاق الضخم من حكومات التعاون، فإنّ مسار صناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لا يزال يأخذ خطواته الأولى نحو تأسيس بنية تحتية للاتصالات واقتصاد المعرفة ولثورة المعلومات التي باتت تطالعنا بكل جديد سواء في مجال التطبيقات أو الأجهزة أو التقنيات التي تعمل بها. فالتمويل والتشريعات هما أرضية أولية لأيّ صناعة أو مشروع، ولكننا إزاء الخطوات الرائدة لدول التعاون في الإنفاق على تقنية المعلومات، والأدوات القانونية الممهدة لها في المشاريع، فنحن أمام تحديات حقيقية أبرزها الكوادر المشغلة لصناعة الاتصالات، والنشر المعرفي لتقنية المعلومات، وحجم الاستفادة الفعلية أو توظيف التكنولوجيا في القطاعات التنموية مثل الخدمات ومنشآت الطاقة والطرق والبنية التحتية، ومدى استفادة القطاعات الحكومية من الانتشار التقني في الاتصالات والحواسيب، ومدى التواجد الإلكتروني لتكنولوجيا المعلومات في خدمات الوزارات. لنعد إلى تقرير المشهد الرقمي لقطر 2013 الذي تناول القطاع الحكومي ورصد مدى انتشار تكنولوجيا المعلومات في الوزارات، التي قدرت بـ"95%" من الجهات الحكومية، وأنّ الأجهزة الحكومية تمتلك "82%" من المواقع الإلكترونية ثنائية اللغة من اللغتين العربية والإنجليزية، ونوعية تدفق المعلومات التي تطرحها كل وزارة عن أدائها. وركز التقرير على "4"مؤشرات نجحت قطر في إحراز تقدم فيها هي استخدام تكنولوجيا المعلومات وكفاءة الحكومة، واقتناء الحكومة للتكنولوجيا المتقدمة، ووضع الحكومة لتكنولوجيا الاتصالات ضمن أولوياتها، ومدى أهمية تكنولوجيا المعلومات في رؤية الحكومة. فقد احتلت قطر المركز "48" من بين "193" دولة في مؤشر الأمم المتحدة لتطور الحكومة الإلكترونية للعام 2012، مقارنة بالمركز "53" في العام 2008، وهناك "87%" من الجهات الحكومية قامت بتحويل معاملاتها إلكترونياً في إطار إنشاء حكومة إلكترونية. وتساؤلي هنا.. عن حقيقة توظيف الشركات وقطاع الأعمال لهذا الانتشار التكنولوجي والاتصالات، وهل بالفعل تنتهج المؤسسات الاقتصادية في أنشطتها اليومية سياسات قائمة على استخدام تقنية المعلومات، أذكر منها على سبيل المثال التسويق الإلكتروني، والتقارير الإلكترونية، والرصد، والمتابعة الإلكترونية والتجارة والترويج، والتواصل مع قطاعات حكومية وغير حكومية عبر شبكة المعلومات، ونوعية المردود الذي حققته الشركات عند اتصالها بعملائها وشركائها عن طريق الإنترنت. اليوم.. ومع توجه دول التعاون لتحديث البنية التحتية، فهي تتصدر الدول في حجم الإنفاق الضخم على الاتصالات، لتكون مشغلاً رئيسياً للمدن الصناعية والتجارية والمنشآت الخدمية والمراكز المالية التي بدأت تظهر وتنتشر في نمو المجتمعات الخليجية حديثاً. واستشهد هنا أيضا بتقرير منظمة الخليج للاستشارات الصناعية الذي ذكر أنّ مؤشرات تكنولوجيا الاتصالات أحرزت تقدماً ملحوظاً في دول التعاون رغم تفاوت مراتبها، فقد تصدرت قطر نسبة مشتركي الإنترنت ومؤشر مشتريات الحكومة من التكنولوجيا التي تعتبر الأولى خليجياً للعامين 2012 و2013، وتصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤشر الصادرات ذات التقنية من إجمالي صادرات الصناعة التحويلية، وفي مؤشر الجاهزية للحكومة الإلكترونية أيضاً. ومن خلال هذه المؤشرات التي ذكرتها آنفاً، يتبين حجم الجهود المبذولة من دول التعاون لتوسيع آفاق تكنولوجيا المعلومات في كل القطاعات، كما يتبين حجم الإنفاق الضخم على شراء وابتكار وإنتاج التكنولوجيا سواء في الاتصالات أو في اقتصاد المعرفة. وأشير إلى أنه في خضم العمل التنموي للوصول إلى اقتصاد رقمي وتقني مطور، لابد أن يواكب هذا النهوض تأسيس وتأهيل بنية بشرية متخصصة في جميع علوم الاتصالات والحواسيب والمعلومات، لكونها صمام الحراك الاقتصادي في كل المشروعات الحالية والمزمع إنشاؤها مثل السكك الحديدية والربط الكهربائي والطرق والجسور والموانئ والمطارات والخدمات المالية وحتى في قطاعات التعليم والصحة والبيئة والسياحة، وقلما نجد اليوم مؤسسة اقتصادية لا تعمل بتقنية المعلومات، ولا يمكن أن تقام مشروعات خدمية من دون شبكة ربط من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ويبقى التحدي القائم أمام واضعي السياسات والمخططين هو تأسيس بنية معلوماتية متخصصة في كل علوم الاتصالات والتكنولوجيا، وتأهيل كوادر وطنية تفي بهذه الاحتياجات، والعمل على تأسيس قاعدة معلوماتية عن الأجهزة الحكومية وربط خدماتها ببعضها، وإيجاد آليات عمل موحدة لدول التعاون فيما يتعلق بالفائدة والخبرة ونقل المعرفة.