10 سبتمبر 2025
تسجيلبعض المفردات تحمل معاني تُعادل قواميس مجتمعة والعكس هناك سطور لا تحمل أي عمقٍ أو مفهوم، ولعل الوقت له فلسفة مختلفة باختلاف من يتعامل به أو ينظر له وبالمقابل يأتي الفراغ ككلمةٍ فضفاضة، قد يكون فراغَ مكانٍ أو فراغ عقلٍ وبالتالي لا يُمكن حصرها بمعنى واحد فقط. فالشعور بالفراغ عاطفة قد يصعب وصفها بالكلمات، خاصة أنه شعور داخلي متنامٍ يُمكننا أن نشعر به حتى وإن كان لدينا الكثير من الأعمال أو كنّا محاطين بدائرة اجتماعية كبيرةٍ لأنّه شعور نفسي ينتج عن تراكماتٍ مختلفة، والتعامل مع مشاعر الفراغ بطريقة صحيحة يجعل منه أمرا مفيدًا للتخلص من الطاقة السلبية، أما الاستسلام لمشاعر الفراغ يجعلنا مسلوبي الإرادة وغير قادرين على أن نتخلّص من شعور الفراغ الثقيل، وعلى الرغم من أنّ الشعور بالفراغ يحمل إحساسًا مشابهًا لدى الجميع، تظل وصفات التخلّص منه غير صالحة للجميع. لهذا فإنّ أبسط ما يُمكن القيام به هو التفكير بأنّه شعورٌ مؤقت وسريع في أغلب الأحيان، والمطلوب هو ألا نتركه يقطع أفكارنا ويُسيطر على عقولنا. وأكاد أجزم أن لا شيء يُرهق عقل الإنسان وقلبه مثلما يفعل الفراغ لأنه يدعوه للتفكير في صغائر الأمور حتى يزداد يقيني وإيماني يوماً بعد يوم بأن الأيام الممتلئة نعمة للكائن البشري مهما كانت مليئة بالمهام المثقلة ومكتظة بالمسؤوليات المتعبة فالعاقل هو من يجعل أعماله أكثر من أوقاته حتى لا يشعر أن للقلق أثراً عليه طالماً أنه يعكف على عمل ما لذلك على الواحد منا أن يُبقي نفسه مشغولاً بأي شيء مهما كان صغيراً وليس من الشرط أن تكون منشغلاً بأداء مهام خاصة بعملك أو بدراستك فمن الممكن أن تُبقي نفسك مشغولاً بجعل يومك يمتلئ بنشاطات قد تجعلك سعيداً كالرياضة التي تحبها أو أن تلتقي بشخص أو تقضي ساعات في المطبخ تحاول أن تتعلم وصفة طعام جديدة مثلاً أو تمارس هواية مفيدة ومسلية. ولعل فلسفية الوقت تكمن في تغيّر فكرة الفراغ في أذهاننا فتركيز الإنسان في فعل ما وفي إدارة شؤون نفسه سيجعله مصروفًا عن الاهتمام بخصوصيات الآخرين وتتبُّعها ومبتعدًا عن التدخل في شؤونهم وهنا يحرص الإسلام على توجيه أتباعه إلى التزام الأخلاقيات الفاضلة والسلوكيات الراقية حتى تَزكُوَ نفوسُهم، وتستقيمَ أمور معايشهم، ومن أبرز ما رغَّب الإسلام إليه، وحبب فيه، اشتغال الإنسان بما يعنيه لأن هذا سيعود عليه بالنفع الكثير. وكي لا تظن قارئي العزيز أني أقصد من مقالي أن لا تستريح أو تنعم بوقتك الغير مُثقل بالالتزامات التي لا تنتهي فأنا أعفيك من الفكرة لأني سأطلب منك أن تُروح عن نفسك وتلتمس الراحة بعد العناء والاستجمام بعد الشقاء، فلنروِّح عن أنفسنا في غير مضرَّةٍ ولا معصية؛ فلنفسك عليك حقٌّ بل وتجعل يومك أفضل من أمسِكَ وتملأ حياتك وتستثمر وقتك فالفراغ قاتل وجاذب للمشاعر السلبية، لذا انهض نحو العمل ونحو فعل شيء جديد في حياتك. ولا شك أن لكلٍ منا مهامه اليومية المزدحمة والتي تختلف من شخص لآخر وفقًا لطبيعة عمله ودوره ونمط حياته، وكلّ وقت نقضيه بعيدًا عن العمل أو الدراسة أو الأعمال المنزلية أو التعليم، فضلاً عن الأنشطة الضرورية مثل الأكل والنوم هو وقت فراغ يجب استغلاله وبمعنى آخر، وقت الفراغ هو أيّ فترة زمنية لا تقوم خلالها ببذل جهد يُذكر أو القيام بعمل ومع ذلك بالإمكان تحويل وقت الفراغ إلى فترات أكثر إفادة وإنتاجًا، بل وتسلية في الوقت ذاته. فالقليل مِن الناس - بوجه عام - مَن يستطيع أن يستثمر فراغه، ويملأه حركةً ونفعًا لذاته، أو للآخرين من حوله.. وأغلبهم يرى الفراغ عبئًا يحاول التخلص منه ولو أن يعمل السيئات، أو ينشغل- على الأقل - بعمل لا طائل من ورائه! ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الفراغ قد يكون نعمة وقد يكون نقمة، وأن معظم الناس يغفلون عن رؤية ما في الفراغ من فوائد وإمكانات مُهْدرة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «نِعمَتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ: الصَّحَّةُ والفَّراغُ» وذلك أنَّ الإنسان إذا كان صحيحًا كان قادرًا على ما أمره الله به أن يفعله وقادرًا على ما نهاه الله عنه أن يتركه لأنه صحيح البدن، فإذا كان الإنسان فارغًا صحيحًا فإنه يغبن كثيرًا في هذا، لأن كثيرًا من أوقاتنا تضيع بلا فائدة ونحن في صحة وعافية وفراغ، ومع ذلك تضيع علينا كثيرًا، ولكننا لا نعرف هذا الغبن في الدنيا، والإنسان العاقل حين يشعر بأن بوادر هذه الحالة بدأت تتسرب إليه فإنه سرعان ما يحاول أن يملأ نفسه وقلبه وعقله ووقته بما يطرد عنه الملل والحزن، ونفسياً هناك علاقة كبيرة بين الفراغ والاكتئاب فكلما زاد الفراغ لدى الشخص ارتفعت احتمالية إصابته بالاكتئاب، ومن أفضل الطرق لعلاج الاكتئاب البسيط هو "لذة الإنجاز" أي الانشغال بأمور معينة وإنجازها سواءً كانت إنجازات عظيمة أو قد تكون بسيطة. أخيراً: قال الشاعر والأديب غازي القصيبي رحمه الله: العمل لا يقتل مهما كان شاقاً وقاسياً، لكن الفراغ يقتل حتى أنبل ما في الإنسان. [email protected]