13 سبتمبر 2025
تسجيلإعادة تعريف المصطلحات في المجتمعات أصبحت ضرورة لا بُدّ منها في أوطاننا العربية وذلك للحفاظ على ما تبقى من العقد الاجتماعي الذي لم يعد يتبين لنا فيه يومنا الأبيض من الأسود. هذا العقد الذي يتفق فيه الناس ضمنيًا على العيش في مجتمع واحد، ويُحددون فيه طبيعة العلاقة فيما بينهم، وعلاقتهم أيضًا مع السلطة. نشأنا على أن كلمة عميل هي لكلّ متعاون مع الكيان الإسرائيلي لأنه كان الكيان المحتل الوحيد. ولكن نتيجة لمسار الأحداث وما آلت إليه أوضاع هذا البلد، وبعد حرب أهلية دامية كانت إسرائيل طرفًا فيها إلى جانب أطراف عربية وغربية، أصبح العميل هو من يخدم مصالح دولة أخرى على حساب الدولة التي يحمل جنسيتها، كأن يُقال في لبنان هذا عميل لسوريا أو عميل لإيران أو أمريكا. مصطلح آخر وهو العنصرية، فمناقشة ظاهرة النزوح واللجوء وما تتضمنه من مشاكل وتداعيات اقتصادية واجتماعية تتحوّل إلى تُهم بالعنصرية. مُلحد تُطلق اليوم - ومع الأسف - على من يتساءل في الشؤون الماورائية أو اللاهوتية وقس على ذلك من أمثلة. المشكلة ليست في معاني هذه المصطلحات فحسب أو ما يقصد بها، بل في مدى التفاعل الذي تلاقيه هذه المفردات وتبعاتها القانونية والاجتماعية والنفسية علينا كأفراد، وما تُحدثه من تأثير على أفكارنا وقراراتنا ومصيرنا، لأننا شئنا ذلك أم أبينا نعيش في مجتمعات تؤمن بشعار "ماذا سيقول عنّي الناس"، هؤلاء الناس الذين يخشونهم الناس، يعيشون فيما بينهم كالبُعبع المُتخفّي، يتلطّون بين الجدران، ويتقصّون أخبار بعضهم البعض، ليس لسبب ما، وإنمّا فقط لأنهم غارقون في دوامة "هذا ما وجدنا عليه آباءنا". ماذا سيقول عنّي الناس، بعبع مُخيف لا يشيخ ولا يمرض، أُلِّف حوله العديد من القصص الفكاهية والدرامية من قصص جحا، والبخلاء، وغيرهم، غالبًا ما تسمع أحاديث بدايتها "الناس يقولون" ومن المعيب أن تسأل من هم الناس تحديدًا، على أساس أن ناقل الحديث يريد الحفاظ على هوية المصدر، ولو سألته لأصبحتَ مُشكّكًا ومزعجًا. هي كلمات تعكس الصراع الذي نعيشه بين ماضينا ومستقبلنا حيث نتمسّك بالمصطلحات المرتبطة بالمبادئ والأخلاقيات دون رصد آلية تطورها. ربّما لأننا كمجتمعات نخشى التطوّر، وهذا حقّ لنا. حيث إن التطوّر يُسقط علينا من أعلى الهرم الاجتماعي ولا ينبع من القاعدة، هو تطوّر مزيف، مصطنع، ومُستورد. فيوم ثارت مجتمعاتنا استوردنا مصطلح "الربيع العربي". الكلمة العربية قوّة ومسؤولية ووضعها في المقام المناسب مُتعة، فهل فهل تتضمن مناهجنا كيفية تطوّر المصطلحات، ومعانيها، ومدى تفاعل الناس معها.. أم أن المناهج ما زالت كحديث الببغاء يُطلب من أطفالنا حفظها ونفرح بهم عند تلاوتها؟ الأمة التي لا تبتكر سيرورة تطوّر مصطلحاتها تفنى.