15 سبتمبر 2025
تسجيلأصدرت وزارة الداخلية في بيت بوناصر أمراً وزاريا بضرورة السفر خلال العطلة الصيفية، ولإيضاح غرابة هذا البيان للذين لا يعرفون هذا المصطلح فإن وزارة الداخلية هو لقب يطلقه الكثيرون على صاحب الامر والنهي في منزل أي مواطن عربي متزوج، ألا وهي الزوجة. وتأتي هذه الأوامر بناء على معلومات مؤكدة بأن ام يوسف وأم هلال وأم صالح سوف يقضون الاجازة الصيفية في ربوع مدينة سفنجة في الجمهورية التركية، وأن ام سعيد وأم جمعان تتسوقان الان في سوق "شبربوش" اللندني الشهير. وقبل أن نبحث تداعيات هذه الأوامر غير القابلة للفصال والنقاش، دعونا نتعرف اكثر على من هو بوناصر؟. بوناصر مواطن متقاعد بلغ الخمسين من عمره وما زال يتمتع بصحة وعافية، متزوج ولديه زوجة وأبناء وبنات، هو لا يملك الكثير من متاع الدنيا وراتبه التقاعدي يتلاشى تدريجياً على متطلبات المعيشة خلال الشهر. وبالرغم من ذلك فهو سعيد لأنه والحمدلله يعيش في دولة توفر له الكثير من الخدمات الأساسية المجانية او ذات الأسعار الرمزية في بعض الحالات. ولكن بوناصر وبعد التقاعد اصبح مهددا بأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم والسكر والجلطات القلبية والصدرية والدماغية مع اقتراب موسم السفر في كل عام، فهو كغيره من العوائل التي تواجه صيف منطقة الخليج سنويا، والذي قد تصل درجات الحرارة فيه الى منتصف درجة غليان الماء، وعليه فإن السفر بالنسبة له ولعائلته يعتبر المتنفس لهم للاسترخاء وتجديد النشاط بعد سنة من العمل والجهد والتعب. ولأجل ذلك يحاول بوناصر كل سنة ان يلبي طلبات العائلة الكريمة من خلال محاولته لتوفير "السفرة" المناسبة والسعيدة بناء على رغباتهم والتي عادةً ما تكون تعجيزية او شبه مستحيلة بالنسبة لحالته المادية، ومع ذلك هو يستطيع من خلال حكمته وحنكته ان يوفق بين جميع الآراء حتى يستمتع الجميع في السفر، وطبعا اقصد بالحنكة والحكمة هنا تنفيذ جميع الأوامر الصادرة من وزارة الداخلية في البيت. فعند صدور أوامر السفر للمواطن المتقاعد من قبل ملكة وسيدة المنزل يمر الزوج بثلاث مراحل رئيسية، تبدأ أولا بمرحلة الرفض والتذمر، ثم مرحلة المساومة والمفاوضة، وتنتهي طبعا بمرحلة الرضوخ والانصياع. ففي المرحلة الأولى يبدأ الزوج برفض الفكرة من الأساس ويبرر ذلك بالغلاء الفاحش والفاجر في تكاليف السفر، من تذاكر طيران والتي هي حكر على شركة واحدة ليس لها منافس ولا تقدم أي امتيازات للمتقاعدين ولا للقطريين بشكل عام، مرورا بأسعار السكن والمواصلات وأخيرا المشتريات والمعيشة. وفي المرحلة الثانية يبدأ الزوج في الانتقال الى مرحلة المفاوضات التي قد يستطيع من خلالها تقليل تكاليف السفر والنفقات فيبدأ باقتراح السياحة الداخلية من خلال حجز شاليه او فندق او استراحة، ثم يعلو بسقف المفاوضات الى السفر عن طريق البر الى احدى الدول الشقيقة المجاورة لأن بيت خالته هناك ويمكن ان يستضيفوهم ويوفروا بذلك ثمن التذاكر والسكن. وتأتي أخيرا مرحلة الرضوخ والاذعان والتي عادة تكون نتاج "الحنه ومد البوز" من قبل الزوجة، وهذان المصطلحان يعنيان ببساطة عوار رأس اكثر وراحة نفسية وعاطفية أقل للزوج، وفي هذه المرحلة يبدأ الزوج في التفكير بأمرين، أولهما عمل احصائية ذهنية سريعة للأقرباء او الاصدقاء الذين لم يتسلف منهم بعد وتكون لديهم القدرة المالية حتى يستدين منهم، والحل الثاني هو اللجوء للبنك ليكبل نفسه بدين وهم جديد يضاف لقائمة هموم المواطن المتقاعد. وختاما أقول: ليس المتقاعد فقط من يعاني من تكاليف السفر وانما غالبية الموظفين من ذوي الدخل المحدود يمرون بمثل هذه الظروف، ولعل قلة المنافسين في سوق السفر والسياحة من خلال عروض شركات الطيران تساهم بشكل كبير في احتكار السوق وارتفاع أسعار التذاكر بشكل خاص. أما بالنسبة لبوناصر فلم يستطع هذا الصيف توفير المبلغ المطلوب لنفقات السياحة لعائلته، مما نتج عن ذلك ان "أم العيال حمسانه في بيت ابوها". (ملاحظة "حمسانه" تعني زعلانة). @drAliAlnaimi