12 سبتمبر 2025

تسجيل

لماذا فشل انقلاب تركيا؟

25 يوليو 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); رغم أن فكرة الانقلابات في تركيا ليست جديدة، كما أن مصطلح الدولة العميقة deep state الذي يشير إلى الدولة الموازية التي تجمع أصحاب المصالح من كافة المؤسسات الرسمية كالعسكر والإعلام والقضاء وغير الرسمية كرجال الأعمال ليس بجديد أيضا، لكن الجديد هذه المرة هو فشل المحاولة الانقلابية في مدى زمني قصير، صحيح أن القضاء على توابعها قد يستغرق وقتا طويلا باعتراف أردوغان ورئيس وزرائه، لكن ما حدث جعل السؤال الملح هو: لماذا فشل الانقلاب، وهل هذا الفشل راجع لأسباب تتعلق بالانقلابيين أم لأخرى تتعلق بأردوغان وأسلوب قيادته وحكمه؟ إن حجم المعلومات التي تتكشف يوما بعد يوم بشأن الانقلاب تشير إلى أنه كان مخططا له بعناية، بل من الصعب نفي وجود دول ومخابرات خارجية ضالعة فيه، بل ربما لم يكن من المصادفة مثلا أن نجد مسؤولا سابقا في وزارة الدفاع الأمريكية هو مايكل روبن - يكتب مقالا في النيوزويك في أبريل الماضي بعنوان "هل سيحدث انقلاب على أردوغان في تركيا؟"، كما لم يكن من المصادفة أيضا أن تكون واشنطن هي مقر إقامة فتح الله جولن المتهم الأول في هذه المحاولة الفاشلة، ومن قبل ضلوع مخابراتها ودول الناتو في دعم منظمة الأرجنكون للقيام بمواجهة الشيوعيين ثم الإسلاميين في البلاد عبر إشاعة حالة من الإرهاب وإلصاقها بالإسلاميين وكانت البداية خلال أول تجربة حكم إسلامي في تركيا منتصف تسعينيات القرن الماضي ضد حكومة نجم الدين أربكان.ومن هنا قد يصعب القول بأن فشل الانقلاب يرجع إلى سوء تخطيط الانقلابيين، وبالتالي هناك عوامل أخرى في إدارة حكم أردوغان هي التي جعلته يتمكن من احتواء الموقف بصورة سريعة نكتفي بذكر اثنين منها: الأول: إدراك أردوغان منذ وصوله للحكم عام 2002 لطبيعة وتطلعات المؤسسة العسكرية في البلد ورغبتها في لعب دور سياسي ضد كل ما هو غير علماني "أي إسلامي"، أو غير قومي "أي كردي"، وبالتالي لم يكن من قبيل المصادفة أن يكتشف الرجل أول محاولة انقلابية ضد حزبه بعد أقل من عام من وصوله للحكم.لذا حرص أردوغان على تقليص نفوذ الجيش الذي يعج بأعداد غير قليلة من التابعين للدولة العميقة من أنصار جماعة فتح الله كولن وغيرها. وبالتالي كان لا بد من تحجيم هذا الدور السياسي للمؤسسة العسكرية عبر سلسلة من القوانين التي تقلص من نفوذها منذ نشأة الجمهورية في عشرينيات القرن الماضي، ومن أبرزها التعديل الدستوري عام 2013 للمادة 35 التي تجعل المهمة الأساسية للجيش هي الحفاظ على الحدود وحماية البلاد من الأخطار الخارجية، ثم من خلال السعي للتخلص من هؤلاء عبر إحالة العديد منهم للتقاعد، ناهيك - وهذا هو الأهم - من خلال إحداث حالة من التوازن بين المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأخرى الخاصة بالأمن مثل الداخلية، حيث تم نقل تبعية قوات الدرك التي يقدر تعدادها بأكثر من 275 ألف جندي من الجيش إلى الداخلية، والأمر نفسه بالنسبة لقوات الجندرمة شبه العسكرية الموجودة في القرى، بحيث باتت مسؤولية الأمن في المدن منوطة بالداخلية وليس الجيش ومن هنا لم يكن مستغربا أن تكون قوات الشرطة ومكافحة الشغب المدنية هي أحد العناصر الأساسية في مواجهة الانقلاب.الثاني: إنجازات حكومة العدالة والتنمية خلال 14 عاما في الحكم، والتي جعلت تركيا في مصاف الدول الاقتصادية الكبرى، فضلا عن تحسن مستوى معيشة المواطن بصورة كبيرة، ولعل هذا كان دافعا لدعم الشعب - بكافة طوائفه - لقوات الشرطة في مواجهة الانقلاب، لأن نجاح الانقلابيين معناه دخول البلاد في حالة من عدم الاستقرار على كافة الأصعدة بما فيها الصعيد الاقتصادي، خاصة في ظل التجارب السيئة السابقة للانقلابات في البلاد، والتي جعلت المواطن يكفر بها، ويؤيد الحرية والديمقراطية حتى في ظل نظام ربما يختلف مع توجهاته السياسية. ولعل هذا هو الفارق بين الشعب التركي الذي ذاق حلاوة الحرية بعد مرارة الانقلابات، وبين العديد من الشعوب العربية التي ربما كفرت بالثورات التي شهدتها في الآونة الأخيرة رغم كونها الخطوة الأولى في طريق إرساء الديمقراطية، لأنها لم تجن منها شيئا من ناحية، وراحت تفضل الانقلاب عليها ربما لأنها لم تذق مرارة العسكر من قبل، أو ربما نسيت هذه المرارة مع مرور الزمن.