10 سبتمبر 2025

تسجيل

إيكواس.. بدائل غير عسكرية للتدخل في النيجر

18 أغسطس 2023

تتجه أنظار المتابعين لأحداث النيجر ترقبا لما ستسفر عنه الاجتماعات بشأن إمكانية التدخل العسكري الذي هددت به إيكواس في اجتماعها الطارئ بأبوجا أيضا في 30 يوليو/تموز الماضي. السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستتدخل إيكواس بقوات عسكرية تنفيذا لتهديداتها، أم أن هناك احتمالات أخرى؟ وما هذه الاحتمالات؟ الحقيقة أنه قبل هذا وذاك يثور سؤال آخر بديهي: هل سبق لإيكواس أن تدخلت عسكريا في حالات مماثلة؟ وما الأسس التي تستند إليها في عملية التدخل؟ وما أبرز التحديات التي اعترت هذا التدخل، وربما تتكرر في حالة النيجر؟ بداية، يمكن القول إن إيكواس رغم أنها جماعة اقتصادية تنشد التكامل بين دول غرب أفريقيا، فإنها باتت لها اهتمامات أمنية وعسكرية، على اعتبار أن تحقيق التكامل الاقتصادي يتطلب حالة من الاستقرار السياسي والأمني؛ ومن ثم كانت من أوائل المنظمات الأفريقية الفرعية التي استحدثت هياكل مواثيق أمنية متمثلة في بروتوكول عدم الاعتداء 1978، ثم ميثاق دفاع الإيكواس 1981 الذي تحدث عن ظاهرة الأمن الجماعي. سمح الميثاق الأخير بالتدخل في حالات محددة؛ منها وجود صراع داخلي تتم إدارته ودعمه من الخارج بما يهدد السلم والأمن، وصولا لبروتوكول آلية منع وإدارة وتسوية الصراعات في الجماعة 1999، التي كان من أهم بنودها توسيع قاعدة التدخل. لمزيد من التأكيد على فكرة الديمقراطية ومنع التدخل العسكري في الحكم؛ قامت الجماعة في ديسمبر/كانون الأول 2001 بإضافة بروتوكول جديد لبروتوكول الآلية عرف باسم بروتوكول الديمقراطية والحكم الجيد، الذي يتناول أسباب الصراعات وجذورها، ومنها الفساد وعدم الاستقرار، كما يتعامل مع عدة قضايا أبرزها حرية ونزاهة الانتخابات، وإشراف المجتمع المدني على المؤسسة العسكرية، ورفض التغيرات غير الدستورية في نظم الحكم. وبالتالي تدخلت الجماعة عسكريا استنادا إلى هذه البروتوكولات في العديد من الحالات في تسعينيات القرن الماضي؛ في ليبيريا حيث الحرب الأهلية ومواجهة الرئيس تشارلز تايلور، وفي سيراليون لإعادة الرئيس تيجان كاباه الذي أطيح به في انقلاب 1996. لكن هذين التدخلين تحديدا ارتبطا أساسا بنيجيريا التي كان يسعى رئيسها آنذاك إبراهيم بابانجيدا إلى لعب بلاده دور الدولة القائد في الإقليم؛ فقام بإرسال العدد الأكبر من القوات المتدخلة، وتحمّل 90% من عملية التمويل. لكن مع رحيل بابانجيدا، ووصول قيادة أخرى مثل عبد السلام أبو بكر، ومن بعده أوليسجون أوباسانجو، والتركيز على مشاكل البلاد الداخلية؛ تراجع تدخل إيكواس في الصراعات، وهو ما برز في الصراع بغينيا بيساو في الفترة ذاتها، حيث لم ترسل نيجيريا قوات، واكتفت إيكواس بإرسال قوات محدودة لم تكن لها أية فاعلية، وانسحبت بعد فترة وجيزة، كما أن عملية التمويل وقعت على عاتق فرنسا. يلاحظ حديثا أن الجماعة لم تتدخل عسكريا في انقلابي مالي وبوركينا فاسو الأخيرين قبل عامين تقريبا، واكتفت بتعليق عضويتهما، ولم تتخذ الجماعة إجراءات تصعيدية متمثلة في التدخل العسكري بشأنهما. ويمكن القول إن احتمال التدخل العسكري لإيكواس في النيجر يظل احتمالا ضعيفا، وإن كان يظل واردا، لاعتبارات متعددة. أولا- الاعتبارات السياسية بالنظر إلى الاعتبارات المتعلقة بمدى تأييد دول الجماعة لهذا التدخل؛ يمكن القول بوجود حالة من الانقسام داخل الجماعة؛ بين دول مؤيدة للتدخل وفي مقدمتها نيجيريا والسنغال، ودول رافضة للتدخل وهي تحديدا مالي وبوركينا فاسو وغينيا. وبالطبع سبب الرفض يرجع إلى أن النظم الحاكمة بها وصلت للسلطة عبر الانقلاب. وهناك الفريق الثالث الذي لم يحدد موقفه بالضبط من التدخل، وإن كان يميل إلى التسوية السياسية. ثانيا- الاعتبارات المالية وهي المتعلقة بتمويل التدخل العسكري، وقد ظهر ذلك بوضوح أثناء عمليات تدخل قوات الجماعة المعروفة "بالإيكوموج" في حالات ليبيريا وسيراليون وغينيا بيساو في تسعينيات القرن الماضي؛ ففي أزمة ليبيريا كان الاتفاق المبدئي هو أن تقوم كل دولة مشاِركة بتمويل قواتها المشاركة خلال الشهر الأول، على أن تقع المسؤولية بعد ذلك على الجماعة. ولم تقم بعض دول الجماعة بدفع حصتها في ذلك على اعتبار أنها لا تؤيد عملية إرسال قوات إلى ليبيريا، والأمر نفسه حدث في سيراليون، حيث تحملت نيجيريا -كذلك- معظم نفقات بعثة الإيكوموج. ثالثا- طبيعة مهام القوات المتدخلة هل ستكون القواتُ قوات حفظ سلام أم فرض سلام؟ وهناك فرق كبير بينهما؛ ففرض السلام يستلزم مهمات قتالية، وأسلحة ومعدات ثقيلة، فضلا عن التكلفة الباهظة، ناهيك عن الخسائر البشرية والمادية المتوقعة. بدائل أخرى غير عسكرية وإذا كان احتمال تدخل إيكواس يظل ضعيفا للاعتبارات السابقة، فإنه قد يكون هناك احتمالان آخران أمام قادة إيكواس: الأول: تمديد المهلة الممنوحة للانقلابيين، وإعطاء فرصة للحلول الدبلوماسية، خاصة في ظل وجود ميل لذلك من قبل الولايات المتحدة وتدلل عليه تصريحات فيكتوريا نولاند مساعدة وزير الخارجية الأميركي، ورئيس وزراء النيجر المعزول، وغيرهما. وقد يكون هذا الأمر مقبولا، خاصة في ظل عدم جاهزية القوات للتدخل. لكن ذلك قد يفقد إيكواس مصداقيتها، لا سيما في ظل موجة التصعيد التي انتهجتها منذ بداية الأزمة، وربما نلمس ميلا للجماعة لهذا الخيار عبر تصريحات مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن بها عبدالفتاح موسى، فرغم تأكيده وجود خطة للتدخل العسكري، فإنه شدد على أن دول المجموعة تأمل التوصل لحل سياسي، وتمنح قادة الانقلاب كل الفرص الممكنة لإعادة السلطة للرئيس المنتخب محمد بازوم. الثاني: الاتفاق على فترة انتقالية لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية لا تسمح لحزب الرئيس المعزول بازوم بالمشاركة فيها، كما تنتهي برحيل الانقلابيين، مدة تتراوح عادة بين عام وعامين، كما حدث في مالي وبوركينا فاسو، لكن تبقى إشكالية وفاء الانقلابيين بعهودهم، فقد حدث نكوص عن ذلك في حالة مالي تحديدا، وطالب العسكر بفترة انتقالية مدتها 5 سنوات وليس 18 شهرا كما كان متفقا عليه. ولم تقم الجماعة بأية إجراءات تدخلية أخرى. وفي الأخير يبقى أن قرار الجماعة بشأن التدخل في النيجر تعتريه عقبات عدة داخلية وإقليمية، وحتى دولية، مما يعني أن قرار مدّ المهلة قد يكون الأمثل لحين إشعار آخر. ** عن الجزيرة نت