11 سبتمبر 2025

تسجيل

أمريكا وانقلاب تركيا..الأسباب والشواهد

18 أغسطس 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تناولنا في مقال سابق أسباب دعم الولايات المتحدة للأنظمة الديكتاتورية أو الانقلابات العسكرية ما دامت تتعارض مع مصالحها، بغض النظر عن كون ذلك يتماشى مع الديمقراطية التي تتشدق بل وتتباكى عليها ليل نهار في بعض الحالات، وتغض الطرف عنها في أحايين كثيرة وفق مفهوم المصلحة. ورغم التورط الأمريكي في الانقلابات التركية الأربعة التي شهدتها البلاد بغض النظر عن هوية النظم التي انقلبت عليها (علمانية، قومية، إسلامية)، فإن السؤال الذي بات ملحا هو: لماذا أيدت أمريكا الانقلاب ضد أردوغان؟ وما هي الشواهد على ذلك؟ لعل الإجابة على السؤال الأول تدفعنا إلى الرجوع إلى الوراء قليلا، وتحديدا قبل وصول حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان للحكم عام 2002، حيث كانت العلاقة بين البلدين قبل ذلك علاقة أشبه بعلاقة التبعية، بسبب التأثير الأمريكي الكبير على الجيش والقيادة التركية التي كان عليها إما الانبطاح أو الإطاحة بها عبر الانقلاب العسكري. لكن مع وصول أردوغان للحكم تغيرت الأمور بصورة كبيرة، وربما كانت نقطة البداية في هذا التباعد هو رفض البرلمان التركي –الذي يسيطر عليه حزب العدالة والتنمية- السماح للطائرات الأمريكية باستخدام قاعدة أنجرليك التركية لضرب صدام حسين عام 2003 على غرار ما كان يحدث عام 1998، كما كان لرفض أردوغان العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008 وانسحابه الشهير من منتدى دافوس في العام التالي، بل واستقبال أنقره لخالد مشعل بمثابة بداية التدهور في العلاقات الوطيدة التاريخية بين إسرائيل وتركيا، وجاء حادث الاعتداء على السفينة التركية مرمرة المتجهة إلى غزة وما تلاه من قطع العلاقات ليشير بوضوح إلى التباين الشديد في الموقف التركي تجاه إسرائيل وواشنطن على حد سواء. ثم جاء الربيع العربي ليؤكد هذا التباين لاسيَّما فيما يتعلق بالدعم التركي الواضح والصريح للثورات خاصة في مصر وسوريا في ظل تباين أمريكي أشبه برفض تغيير كل من مبارك والأسد. هذه الأمثلة وغيرها تفسر أسباب العداء الأمريكي ومن ورائه الأوروبي والإسرائيلي لأردوغان الذي بات يستمد شرعيته من الداخل وليس من واشنطن. وبالتالي كان ينبغي على أمريكا السعي لإسقاطه إما بالطرق الديمقراطية عبر دعم خصومه في الانتخابات لكنها فشلت في ذلك، أو بالطرق غير الديمقراطية عبر التأييد الضمني وعبر مجموعة من الشواهد للمحاولة الانقلابية الكثيرة. فالسفارة الأمريكية في أنقرة وصفت ما حدث يوم الانقلاب بأنه "انتفاضة"، وفي اليوم التالي وصف وزير الخارجية جون كيري من لوكسمبورج ما حدث بأنه محاولة الانقلابية "تمت بطريقة غير مهنية"، ما يعني أن الاعتراض ليس على الانقلاب في حد ذاته، ولكن على طريقة التخطيط والتنفيذ. صحيح أن واشنطن بعد نجاح أردوغان في السيطرة على الموقف اعترفت بأن ما حدث انقلاب، لكن ربما هذا إقرار بالأمر الواقع، ومع ذلك لم تستطع إخفاء موقفها هذا، عندما أعلن جوزيف فوتيل، قائد القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى أن هناك علاقة وطيدة لبلاده مع الكثير من القادة العسكريين، وأن حملة التطهير التي يقوم بها أردوغان في صفوف الجيش التركي بعد محاولة الانقلاب قد تضر بالتعاون العسكري بين البلدين! هذا الدعم الأمريكي اعترف به العديد من القادة العسكريين الذين شاركوا في الانقلاب، ومن ذلك ما قاله قائد اللواء 39 آليات حسن بولاط، حيث قال: "اجتمعنا سرّا مع عسكريين من وزارة الدفاع الأمريكية في قاعدة إنجرليك 12 مرة وكان هناك مخططات لتفجيرات في مدن إقليم الأناضول أثناء الانقلاب"، كما خرجت من ذات القاعدة التي تشرف عليها قوات تركية وأمريكية مشتركة طائرتين لتزويد طائرات إف - 16 التي استخدمها الانقلابيون بالوقود. ومن غير المنطقي أن يكون ذلك بغير علم الإدارة الأمريكية المسؤولة عنها. وربما لم يختلف الموقف الأوروبي كثيرا عن الموقف الأمريكي، ففضلا عن أن اعتراف الدول الأوروبية بالانقلاب جاء متأخرا لمعرفة إلى من تصير الأمور، فإن أيا من ممثليهم لم يحضر مراسم تأبين ضحايا الانقلاب من المدنيين والعسكريين والذين يقدر عددهم بـ237، وهو ما استفز أردوغان، بل كان كل ما يشغل هذه الدول ألا يقوم أردوغان بانتهاك حقوق الإنسان في تعامله من الانقلابيين وأعوانهم! ومن هنا يمكن القول بأن العلاقات التركية مع واشنطن بعد الانقلاب باتت على المحك، وربما سيكون ملف تسليم واشنطن لغولن هو الاختبار الأول والحقيقي لمدى تأييد واشنطن للانقلاب من عدمه.