10 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); رغم أن الولايات المتحدة تشهد هذه الأيام أحد أبرز مظاهر الديمقراطية المتمثلة في اختيار مرشحي الحزبين الكبيرين "الجمهوري والديمقراطي" لممثليهما في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر المقبل عبر سلسلة من الإجراءات ربما تتميز بها التجربة الأمريكية عن غيرها، فإن هذه الديمقراطية الأمريكية "المنشودة" ربما تبدو منقوصة داخليا بسبب حالات الاضطهاد التي يشهدها السود من قبل جهاز الشرطة والتي تجعل أمريكا توسم بالعنصرية، فضلا عن المواقف الأمريكية الخارجية والتي تجعل مفهوم المصلحة وليس الديمقراطية هو الحاكم لسياستها الخارجية. وهو ما يطرح السؤال التالي: هل السياسة الخارجية الأمريكية ديمقراطية أم انقلابية؟ وما هو المعيار الذي تستند إليه في ذلك؟ فللولايات المتحدة قديما وحديثا تاريخ أسود في دعم الانقلابات والديكتاتوريات التي تحقق مصالحها على حساب الديمقراطية. وربما كانت دول أمريكا اللاتينية وغيرها في إفريقيا وآسيا بمثابة الفناء الخلفي لهذه الممارسات. وإذا عدنا بالذاكرة للوراء قليلا، فسنجد دعم المخابرات الأمريكية عام 1954 للانقلاب الذي قاده الجنرال "كاستللو أرماس ضد رئيس جواتيمالا المنتخب جاكوب أربنز بسبب رغبته في تحقيق إصلاحات اقتصادية، أبرزها منع الاحتكار وإعاده توزيع الثورة في البلاد بما يضر بمصالح الشركة المتحدة للفواكه التي كان من بين مؤسسيها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب والتي كانت تسيطر على 42% من أراضي البلاد الزراعية، فضلا عن الهيمنة على قطاعات كبيرة أخرى منها السكك الحديدية والتليفون والكهرباء. وقد تمثل الدعم الأمريكي في تسليح الانقلابيين، وفرض البحرية الأمريكية حصارًا بحريا على البلاد، بل واستخدام الطائرات الأمريكية في القصف الجوي ضد النظام. وربما لم يختلف الأمر كثيرا في دعم السي آي إيه لانقلاب حليفها بيونشيه الدموي في شيلي عام 1973 ضد الرئيس سلفادور الليندي والذي حقق طفرة اقتصادية كبيرة في البلاد. أما في إيران فقد كان قرار حكومة مصدق المنتخبة عام 1951 بتأميم قطاع النفط وسط إجراءات إصلاحية أخرى سببا في التآمر الأمريكي-البريطاني عليه، خاصة أن الموارد النفطية كانت تسيطر عليها شركة بريتش بتروليم البريطانية حاليا، فقامت إدارة روزفلت بالتنسيق مع المخابرات باعتماد خطة "أجاكس" التي قامت على محاصرة إيران دوليا، وتأليب الرأي العام الداخلي ضد مصدق داخليا، واستمر الأمر طيلة ثلاث سنوات حتى تمت الإطاحة به. وربما لم تكن تركيا الحديثة والمعاصرة بمنأى عن هذا الأمر. فالمخابرات الأمريكية بصفة خاصة والدول الأوروبية أعضاء الناتو بصفة عامة هي المؤسس الحقيقي للدولة العميقة في تركيا من خلال دعم منظمة أرجنكون التي برزت في تركيا وغيرها، حيث كانت تستهدف أولا تطويق المد الشيوعي، ثم الظاهرة الإسلامية لاحقا، من خلال إشاعة الفوضى ودعم المؤسسة العسكرية وصناع القرار وغيرهم من السياسيين الكبار في مختلف مواقع وأجهزة السلطة. والتي باتت تشكل كيانا موازيا للدولة الرسمية يستطيع الضغط عليها وابتزازها، بل وتسهيل الانقلاب عليها. ولعل أيادي المخابرات الأمريكية لم تكن بمنأى عن الانقلابات الأربعة التي شهدتها البلاد منذ الستينيات وحتى التسعينيات، ناهيك عن المحاولة الفاشلة الأخيرة، فلقد دعمت الولايات المتحدة الانقلاب الذي أطاح بالرئيس عدنان مندريس أوائل الستينيات بزعم خروجه عن مبادئ العلمانية، في حين كان السبب الحقيقي هو تقاربه مع الاتحاد السوفيتي في حينها، لذا عملت على دعم قادة الانقلاب وفي مقدمتهم ألب أرسلان ترك الذي كان تلقى تدريبات سابقة في الولايات المتحدة لمكافحة الشيوعية. والأمر نفسه تكرر في "انقلاب المذكرة" أوائل السبعينيات والذي قاده ممدوح تاجماك، وبحسب نشرة جامعة أوكسفورد فإن الولايات المتحدة دعمت تاجماك الذي سلم مذكرة لإنذار حكومة سليمان ديميريل بتدخل القوات المسلحة إذا لم يتم تشكيل حكومة جديدة علمانية بوجهات نظر أتاتورك، ولذا عرف الانقلاب باسم "انقلاب المذكرة". واستمرت الأحكام العرفية وأعمال القمع حتى 1972 وخلال هذه الفترة استخدمت الاستخبارات الوطنية مدربين من المخابرات الأمريكية في استجواب المعارضين. ثم دعمت حليفها كنعان إيفرين، في انقلابه الدموي سنة 1980 ونقل رئيس الاستخبارات الأمريكية الخبر إلى الرئيس كارتر في حينها قائلًا له: "لقد فعلها أصدقاؤنا". وفي انقلاب 1997 ضد الحكومة الإسلامية برئاسة نجم الدين أربكان، ذكرت صحيفة "ذا نيويوركر" الأمريكية، أن السي آي إيه كانت مسؤولة عن تدريب جنود ومدنيين أتراك، وانتهى الأمر بإجبار أربكان على التنحي. إذا كل ما سبق قد يلقي بظلال من الشك التي تصل إلى درجة اليقين على ضلوع الولايات المتحدة ومعها بعض الدول الأوروبية في دعم المحاولة الانقلابية الأخيرة ضد أردوغان. لكن ما هي دوافع ذلك؟ وما هي شواهده؟ ربما هذا ما سنتناوله في مقال لاحق.