15 سبتمبر 2025
تسجيلالدين مدرسة لتعليم الكمالات وغرسها في النفوس وحمل الناس عليها حتى تنضج أحوالهم وأقوالهم وأعمالهم.ولا نزعم أن كل معتنق لهذا الدين أو منتمٍ إليه يحوزها ما يراد له من أنصبة الكمال الإنساني، وإنما نؤكد أن هذا الدين الإسلامي يستهدف الكمال النفسي لأتباعه قاطبة وأنه كالمستشفى يدخله كل إنسان ثم يأخذ من العلاجات ما يناسب علته حتى يبرأ من علله، وتتم له الصحة والعافية المنشودة. إلا أن الناس يتفاوتون في حظوظهم من العافية وتمامها، بيد أن من رفض هذا العلاج الموصوف له أو لعلته وأبى إلا البقاء بأدوائه، أخرج من المستشفى وسدت الأبواب في وجهه ومنع من الدخول لأنه عابث. وهكذا العبد يزوده الإسلام بكل ما يصلح علة قلبه فإن رفض ما قدم له من علاجات وأدوية، طرد من باب رضوان الله والوصول إليه.ذلك أن لعباد الله منزلة لا يرقى إليها المفسدون والمحرومون وطلاب الشهوات وعشاق العلو في الأرض والكبر على عباد الله.إن الدين صلة بالله رفعت أصحابها الذين نقَّوا أنفسهم من أدران الشر ونوازع الإثم فزكت أرواحهم وصفت معادنهم.هناك من يظن أن الاكتمال النفسي والصفاء الروحي يتوصل إليه برياضة اليوغا أو بالتأمل من دون إيمان بالله ونظر إلى ملكوته والتدبر لآياته وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.. هؤلاء أناس أدعياء مغرورون لا يجوز أن تكون لهم حرمة ولا أن تحفظ لهم بين عباد الله المتقين مكانة، لأن الدعامة الأولى لكمال الإنسانية والإنسان هي الاعتراف بالله وإن له الخلق والأمر والخضوع له والاستمداد منه والاحتكام لما أنزله من هدي السماء.إن المسلم الحق إنسان مشدود الأواصر بهذا المصحف الشريف وبالنبوة التي طبقت أحكامه وأبرزت أهدافه، وجعلت الحياة العامة والخاصة تستمد وجودها وضياءها من آياته وهداياته.إن الإنسان المسلم شخص لا يخلو ضميره من الله ما دام له قلب ينبض بالحياة، لذا فهو يستيقظ من الفجر ليقف بين يدي الله طالباً هداه راجياً عطاه وهذا قبل أن يخرج من منزله إلى ميدان الحياة كادحاً كاسباً ساعياً في طلب الرزق المبثوث في زوايا الأرض فإذا ما عاد مكدوداً "من أمسى كالاً من عمل يده بات مغفوراً له" عاد مرة أخرى قبل أن يأوي إلى فراشه ليصلي العشاء خاتماً بهذه الصلاة خمسة أوقات وقف فيها بين يدي الله من انفلاق الفجر إلى غبش الليل، هذا هو المسلم وما سوى ذلك فهو لون من ألوان العبث.إن كثيراً ممن خلق الله من البشر أو قل الحيوانات المستأنسة يقول بعضهم: "وما أظن الساعة قائمة"، ويقول الآخر: "إن هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وما يهلكنا إلا الدهر"، وقد يقسمون على هذا الهذر ويؤكدون ألا حياة بعد ما يفارقون هذه الدنيا."وأقسموا بالله جهد أيمنهم لا يبعث الله من يموت"، هناك سوقة وملوك وزعماء وصعاليك سيبعثون، ولأنهم لم يعُدُّوا لهذا اليوم عدته سيكونون يوم القيامة والنشور في حالة لا يحسدون عليها، "رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة" إنه يوم تصحيح الأوضاع وفناء الزور وجلاء الحق، لقد شاعت في أيامنا هذه أن الإنسان يقاطع الدين فلا يخضع لأوامره ولكنه يجامله بكلمات باهتة: إن شاء الله، بارك الله فيك، الله يعافيك وأمثالها دون أن يختط لنفسه طريقاً في الحياة إلى المسجد وهو كذلك لا يقيم لمواريث السماء وزناً جملة وتفصيلاً ومع هذا الفقر الروحي وفراغ القلب من الله عز وجل في علاه، يزعم أنه مسلم وأنه استكمل كل أسباب الكرامة واستجمع كل خصال الخير، ان حكمه هذا من عند نفسه وحدها. إذا عرفنا أن إنساناً أنكر جميل إنسان مثله أسداه إليه فإننا نكن له الضيق والاحتقار فكيف بمن جحد جميلاً أسداه إليه الخلاق الرزاق الذي يتقلب في نعمه ظاهره وباطنه من المهد إلى اللحد.الإيمان اعتراف بالله الذي تكلم فأوضح وأبان عن نفسه وعن مراده من خلقه وبعث إلينا من يشرح لنا كيف نعيش وفق هذا المراد من هذه التوصيات العليا "كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۚ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ، وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ، إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، من أجل هذا كله نحن نحكم بكفران المتمرد على الله وتوجيهاته ويعد فعله هذا خيانة عظمى أقل ما يجب فيها أنه يساق سوقاً وهو في الأغلال "إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون" ثم "إن كتاب الفجار لفي سجين"، "وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل..."وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين