03 نوفمبر 2025

تسجيل

الصالحون والمسوفون

25 يوليو 2013

كل مفقود عسى أن تسترجعه إلا الوقت؛ فهو إن ضاع لم يتعلق بعودته أمل ولذلك كان الوقت أنفس ما يملكه الإنسان حتى قيل إن الوقت هو الحياة فعلى الإنسان العاقل أن يعرف قيمة زمانه والعمل على الاستفادة مـنه فيما يعود عـليه بخيري الدنيا والآخرة فإذا كـان قد فرط فـيما مضى مـن أيامه فعليه أن يستـقبل أيامه الباقية استقبال الحريص للثروة ذات القيمة العالية ولا يفـرط لا في قليلها ولا في كثيـرها وعليه أن يجتهد أن يضع كل شيء - مهما قل - موضعه اللائق به عندما يحس أحدنا أنه موجود في هذا الكون ثم ينتظر وراءه وأمامه من الأيام والأعوام فإذا هي وكأنها يوم واحد متلاحق الأحداث ثم ينظر فإذا به لم يخلق عبثا (أفحَسِبتُم أنمَا خَلقنَاكُم عَبَثاً وأنَّكم إلينَا لا تُرجَعونَ) المؤمـنون 115، وإذا به وقـد يستـشعر موقفـه وموقعـه يـوم القيامة يـوم لن تزول قدما عبد حتى يسأل عـن شبابه فيما أبلاه وعـن عمـره فيما أفناه وعـن عمله ماذا عمل به وعـن ماله مـن أين اكتسبه وفيـما أنفـقه وهـو مستـعد للمساءلة حينـما يوقـف للحساب (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ..) يونس45 (يَتَخافَتون فيما بَينَهُم إن لَّبِثتُم إلا عشرا (*) نحنُ أعلمُ بمَا يَقُولونَ إذ يقولُ أمثلُهُم طَريِقة إن لَّبثتُم إلا يَوما (*)) طـه 103-104 بأن هذا الإحساس هو إحساس صادق إذا قيسـت أيـام الدنيا بأيام الآخرة لا أيام الدنيا بالنسبة لأيـام الآخرة مـا هي إلا ساعة نهار إلا أن هذا الإحساس إحساس مضلل لمـن مرت به الأيام والليالي وعقارب الساعة تهدم جدار الزمـن وهو يتابع ذلك في ذهول وغفلة. ظل يعبث ويسترسل في عبثه حتى أدركه ظلام الموت وظلمة القبر، وعندها تيـقظ وهيهـات لقـد سار ركب الصالحين وبقي المسوفون في محطة.. إن شأن الناس في هذه الدنيا غريب كم مـن حبيب فقدوه وكم مـن عزيز في قعر الأرض غيبوه وهم لاهون والقدر يسوق الناس إلى حتفهم، إنهم ينسون أن كل ذرة مـن أعمالهم محسوبة (فَمـن يَعمَل مِثقَال ذَرَّةٍ خَيراً يَرَهُ (*) وَمـن يَعمَل مِثقَال ذَرَّةٍ شَراً يَرَهُ) الزلزلة 7-8. إن ميزان الذر مـنصوب للجميع فلا أنساب ولا صديق ولا تنفع شفاعة الشافعين (فَمَا لَهُم عَن التَّذكِرةِ مُعرضين)المدثر49. (يَومَ يَبعَثُهمُ اللهُ جميعاً فَيُنبِّئهُمُ بما عَملُواْ أحصاهَ اللهُ وَنَسوه والله على كل شيء شهيدْ)المجادلة 6. الإسلام دين يعف الوقت وقيمته ويقدر خطورة الزمـن وقد قال سلفنا الصالح: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك" ويجعل مـن علامات الإيمان وأمارات التقوى أن يعي المسلم هذه الحقيقة ويسير على هداها، يقول الله عز وجل: (إن في اختلاف اللّيل والنَّهارِ وّمّا خلق اللهُ في السَّماواتِ وَالأرضِ لآيات لقوم يتَّقُون) يونس6. إن المسلم الحق يغالي في الحفاظ على الوقت مغالاة شديدة لأن الوقت عنده هو عمره الذاهب والباقي فإذا سمح بضياعه فهو ينتحر بهذا المسلك الشائن ولذلك إنه يعتبر الغارقين في حاضرهم المسحورين ببريق الدار العاجلة قوماً خاسرين (اُوْلئِكَ الَّذين اشترواْ الحياة الدُّنيا بالآخرة)البقرة 86.. (إنَّ الَّذين َلا يَرجون لقاءنا وَرَضُوا بالحياة الدُّنيا وَاطمأنوا بها والذين هُم عن آياتنا غافلون (*) اُولئك مأواهم النَّار بما كانوا يكسبون) يونس7-8. انظر إلى مرارة الحسرات على التفريط لأن حلاوة اللذات تحولت حنظلا فبقيت مرارة الأسى. وكيف تنام العين وهي قريرة ولم تدر في أى المحلين تنزل.. إن المقرر في الشريعة أن جبريل عليه السلام نزل بأمر الله ليرسم أوائل الأوقات وأواخرها ليكون مـن ذلك نظام الحياة نظاما محكما دقيقا يرتب الحياة للمسلم ويقيسها بالدقائق مـن مطلع الفجر وحتى مغيب الشفق: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون). فالليل يعقب النهار وخلفه النهار مع حركات الأفلاك الدائرة، ورب العالمين لم يخلق ذلك عبثا، إنه الميدان الذي أعد للسباق الذي لا يتقدم فيه إلا من يعرف ربه ويذكر حقه ويشكر نعمته. إن عمرك رأسمالك الضخم ولسوف تسأل عن إنفاقه وتصرفك فيه. قال الإمام الحسن البصري: ما مـن يوم ينشق فجره إلا نادى مـناد مـن قبل الحق سبحانه: يا ابن ادم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مـني بعمل صالح فإني لا أعود إلى يوم القيامة. إن مـن محافظة الإسلام على الوقت حثه على البكير ورغبته في أن يبدأ المسلم أعمال يومه نشيطا طيب النفس مكتمل العزم جاعلا ابتداء يومه مـن الفجر ذاكرا فالق الصباح جاعل الليل سكنا والنهار حسبانا متوكلاً، ولقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة فاطمة وهي مضطجعة صباحا فحركها برجله ثم قال: "يا بنية قومي اشهدي رزق ربك ولا تكوني مـن الغافلين فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس".. إن العمر قصير والحاضر الذي يحيا الإنسان في نطاقه ضيق وإن الزمـن آية مـن آيات الله. وله اختلاف الليل والنهار، فاغتنم خمسا قبل خمس. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين