17 سبتمبر 2025
تسجيل"الاستعباط " في العامية المصرية الحديثة مأخوذ من لفظ " العَبَط " بمعنى : الغفلة والجهل، ولهذا المصدر مرادف مكافئ له في الدلالة بدرجة كبيرة وهو " الاستهبال " مأخوذ من لفظ " الهَبَل " فالأهبل والعبيط : بنو عَلاَّت في أصل الدلالة على الغفلة التي تلد الخيبة!! ودخول الألف والسين والتاء على المصدر الأصلي يعني أن الشخص الذي يستعبط ليس عبيطا في الأصل وإنما هو واعٍ كل الوعي، ولكنه يدعي أنه أبله مغفل، وهدفه من الاستعباط أو الاستهبال استغفال من يسمعه أو من يصدِّقه.!! والنهي عن " الإفراط " سمة من سمات لغتنا المعاصرة، فحين يحدث قصف واجتياح صهيوني بشع لمنطقة سكنية فلسطينية، ويموت العشرات ويصاب أمثالهم، وتُزال منازل، وتُدمر مزارع، و.. و... يخرج مجلس وزراء خارجية الدول العربية يتمخطر ثم يدعو إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الذي ينعقد أحيانا بناء على طلبهم ثم يخرج بتوصية موجهة للصهاينة مفادها [ عدم الإفراط في استعمال القسوة!! ] وبعض اللغويين الغربيين المعاصرين تحدثوا عن ظاهرة أسموها ( نفاق اللغة) واستشهدوا لها بأمثال تلك التصريحات التي تفيض براءة وتلطفا وخفة وظرفا، وهي تصف أبشع ما يمكن وصفه من عنف وتدمير بأنه مجرد ( إفراط في استعمال القسوة! )، ولكنني لست معهم فيما ذهبوا إليه، فاللغة ما هي إلا أداة تعكس فكر ناطقها ومشاعره ونياته ورغباته المكبوتة. فالذي ينافق هو المتحدث لا اللغة ذاتها. والكذاب هو المتحدث لا ألفاظه. والقضية هي أن حكوماتنا العربية الرشيدة – منذ وجدت الحكومات – هبة إبليس للشعوب!! فهي في حالة صدق مع مصالح الكبار الخاصة فقط!! وفيما عدا ذلك فهي تتقلب في مستنقعات من الكذب الأصلع " اللمِّيع "!! فمثلا : - يسمي الإعلام الحكومي الفقراء تلطفا وتخفيفا : محدودي الدخل، ولو أنهم فطنوا إلى دلالة هذه التسمية لأدركوا أنهم بها يعترفون ( بمفهوم المخالفة وهو أحد مفهومات اللغة عند علماء أصول الفقه والنحاة والبلاغيين ) بوجود طبقة أخرى لا حدود لدخلها، والذي لا حدود لدخله لا يمكن محاسبته أصلا، فالمحاسبة تعتمد على ضبط المقبوض والمدفوع فمن أين لمحاسب أن يحاسب دخلا غير محدود؟ - ويسمي الإعلام الحكومي رفع الأسعار المفاجئ تلطفا وتخفيفا : "تحريك الأسعار " والتحريك في أصل معناه اللغوي قد يكون لأعلى ولأسفل وذات اليمين وذات الشمال، ولكنهم يقصرونه – لا مؤاخذة – على الرفع فقط. - ويمنعون موظفي الدولة الكبار كالوزراء من ممارسة الأعمال التجارية والاستثمارية ماداموا في وظائفهم، ثم يمنحونهم الترخيص بممارسة كل ما حرموه عليهم بأسماء زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم وعماتهم وخالاتهم وبنات الأخ وبنات الأخت وأخواتهم من الرضاعة وأمهات نسائهم وآبائهن وإخوانهن وأخواتهن. وهم يعلمون علم اليقين أن المال مال الوزير وأن الشركة شركته، وأن الضرائب ستمر على أملاكه وأمواله تلك " مر السحابة : لا ريثٌ ولا عَجَل!!" - كما يقول الأعشى - ولكنها إذا مرت على بقال صغير، أو محل للعصير، تريثت كل التريث وحاسبته حساب منكر ونكير، وقدَّرت عليه من المال ما ينوء به قارون!! ثم توحي إليه أن يتظلم ويطعن، وتؤلف له لجانا لتنظر في طعنه فتخفض له ما سبق تقديره، وتغرق اللجان والمقدرون السابقون لها ورؤساؤهم ومؤلفو اللجان وملحنوها ومخرجوها في سيول من المكافآت المالية تندق لها ظهور أصحاب محال العصير وبائعي الفطير وقصاصي الحمير وينجو الوزير وأصهار الوزير.!! - ويصرحون بأنهم مع حرية الصحافة.. ويفتكون بالصحافيين. - ويدافعون في كلامهم عن مجانية التعليم، ثم يتفننون في فرض الرسوم وزيادة تكاليف التعليم على كواهل الأسر والتلاميذ والمعلمين.ويتفننون في تحويل المدارس الحكومية المجانية البائسة إلى مسمًّى غريب مريب هو ( المدارس التجريبية) أي التي تتقاضى رسوما باهظة وتعلم الرياضيات والعلوم بالإنجليزية، فهي في الحقيقة مدرس تخريبية - بالخاء- وليست تجريبية. - إن في مصر قوانين متجمدة كثيرة كقانون حظر تصنيع واستعمال الطوب الأحمر الذي صدر عام 1984 وهناك أجزاء من قوانين لا ترى النور، فمثلا في قانون تنظيم الجامعات الحالي 49لسنة 1972مايقرب من ثمان وستين مادة لم تطبق أي منها ولو مرة واحدة من تاريخ صدور القانون حتى اليوم.! أفليست هذه مفارقة لا تحدث إلا في مصر؟ والدول العربية جمعاء. حين تصدر القوانين ثم تجمد.