18 سبتمبر 2025
تسجيلفي رحلتي إلى أفغانستان نواصل استكشاف الوجه الجديد للبلد، ونمضي في الحلقة الثالثة من حديثنا عن أرض الأفغان، لقاؤنا مع الملا محمد يعقوب وزير الدفاع في الإمارة الإسلامية في أفغانستان وحديثه عن غيبة والده الملا محمد عمر رحمه الله... هنا يحرص الملا يعقوب على أن يخبر والده أنه قد كبر، وأنه لم يعد صاحب الثماني سنوات الذي تركه يوم اختفى وغاب عنهم، وعن العالم كله. يتحدث وزير الدفاع الحالي عن ذلك، وكيف أقنع والده بما كان يخطط له في إدارة شؤون العائلة،: ( أرسلت للوالد رسالة قبل وفاته بأيام، فقط أخبره أنني تزوجت، وأنني قد كبرت، وأريد أن أكون معيلاً ومشرفاً على العائلة، وأن أستلم كل الأمور المالية الخاصة بها، حيث كان يديرها من قبل عمي عبد المنان العمري الذي يتقلد الآن منصب وزير العمل والشؤون الاجتماعية، وبالفعل انتقلت المسؤولية المالية إلي بعد موافقة الوالد، ما زلت أتذكر حين كنت أطلب منه زيارته ورؤيته خلال فترة الغيبية، كان يعتذر، إذ يخشى على نفسه من أن يتعرض للانكشاف). وبخلاف ما تردد وأشيع عن العلم بوفاة الملا محمد عمر بعد أشهر عن حدوثها، وما أشيع عن إخفاء خبر الوفاة عن قيادات الحركة، يكشف الملا محمد يعقوب عن أسرار تلك الفترة لأول مرة: (لقد علمنا بوفاته بعد يوم واحد من حدوثه، فقد اشتد عليه المرض كما علمنا، وذهب من كان يرافقه ويلازمه في البيت الذي كان يقيم فيه بولاية زابل للقاء (القاصد) أي المرسال الذي كان بين الملا وبين قادة الحركة الطالبانية، وأبلغه بأن الملا قد توفي، بينما كان هذا المرسال في طريقه لجلب بعض الأدوية للوالد المريض، ولكنه كان قد توفي في نفس الليلة. اتصلوا بنا، وذهبت مع بعض القادة إلى المناطق الحدودية، وكان يوم جمعة، بينما توفي الملا رحمه الله يوم الأربعاء، وهناك التقينا بالمرسال وهو ملا عزيز الله، وكان معنا العمّ عبد المنان العمري ومولوي عبد الرحمن أستاذ الملا محمد عمر، وكذلك الملا عبد السلام مستشاره وكاتبه أيام حكم الإمارة الإسلامية الأولى 1996-2001، فالتقينا مع المرسال، الذي بدأ حديثه عن مرض الملا في البداية، وأنه لا بد من نقله إلى المشفى، فكان عبد السلام يتكلم بهذه الصيغة، ثم تسللت من فيه كلمة رحمه الله، وفهمت حينها أن الوالد قد توفي). يتابع الملا محمد يعقوب حديث الشجن والأسى بصعوبة وحزن ثم يروي لنا مغامرة ذهابهم إلى البيت الذي توفي ودفن فيه الملا، وهي مغامرة جريئة تحصل في ظل وجود القوات الأمريكية والغربية بشكل عام في أفغانستان وتحديداً في المناطق الجنوبية معقل المقاومة الطالبانية، يقول الملا يعقوب: ( حين علمنا بوفاته قررنا مع عمه أن نتجه إلى البيت الذي دفن فيه. كانت الدبابات الأمريكية منتشرة في تلك الولاية، وصلنا إلى القرية بصعوبة، وقد تزامن وصولنا مع إنزال جوي أمريكي بالقرب من القرية التي دفن فيها، ولكن ومع هذا استطعنا الوصول إلى الغرفة التي سكن ودفن فيها. كان قد دُفن بأرض الغرفة وتم تطيين القبر، الذي سُوي بالأرض تماماً بحيث تظهر أرض الغرفة مستوية تماماً، دون أية علامات أو أمارات تشير إلى وجود قبر. حفرنا مكان القبر وتأكدت من وفاة الوالد بعد أن أدرت وجهه نحوي وقبلته، ثم أعدت توجيهه نحو القبلة. لقد بدت حالته وبشيبة لحيته البيضاء، كأنه نائم تماماً). بعد أن تأكد الملا محمد يعقوب وعمُّ والده من وفاة الملا محمد عمر سارعا إلى إبلاغ قيادة الحركة يومها بالحقيقة الكاملة، وبالفعل يقول الملا محمد يعقوب: (التقينا بعد عودتنا من زيارة قبر الوالد وفي داخل الأراضي الأفغانية مع أختر منصور الذي غدا أميراً للحركة بعدها، وكذلك مع هبة الله قاضي القضاة والذي يقود الآن الإمارة الإسلامية، بالإضافة إلى مولوي عبد الحكيم، وأبلغناهم بما تحققنا منه وهو وفاة الوالد. كانوا كلهم على علم بالأمر، فعقدت بعدها جلسة ضمّت نور محمد ثاقب، وعبد القيوم ذاكري، وأمير خان حقاني، وآخرين، ولم أكن أنا في تلك الجلسة، وتم انتخاب أختر محمد منصور كأمير جديد للحركة). حين سألت الملا محمد يعقوب عن سرّ عدم الإعلان عن وفاة الملا محمد عمر في حينه يقول بشكل مباشر دون تردد: ( ثمة سببان: داخلي، وخارجي، أما الداخلي فكنّا حريصين على عدم الإعلان عن ذلك، لما قد يلحقه من ضرر على بنية الحركة الداخلية، لاسيما وهي حركة أشبه ما تكون سرية، ومستهدفة، وبالتالي حرصنا على ذلك لمنع حصول أي تمزق أو انقسام داخلي، أما السبب الخارجي فهو أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان قد تعهد حينها بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان، فخشينا أن يكون الإعلان عن الوفاة سبباً للأمريكيين في تغيير مواقفهم إزاء الانسحاب). في الحلقة المقبلة لقائي مع وزير الخارجية أمير خان متقي في مبنى وزارة الخارجية الأفغانية وحديث عن بوابة أفغانستان إلى العالم الخارجي، وبوابة الأخير إلى أفغانستان.