10 سبتمبر 2025
تسجيلكان قد قيل قديما (كل الطرق تؤدي إلى روما) وتم تداول هذه العبارة حتى عصرنا الحالي دون أن يعرف كثيرون سبب هذه المقولة التاريخية التي تعود إلى عهد الإمبراطورية الرومانية وتحديدا إلى روما التي طمحت آنذاك إلى بناء دولة قوية ومتوسعة فقامت بفتح دول ومناطق بجوارها، ولكن واجهتها صعوبات جمة في رصف الطرق فكانت وعرة للغاية، فلجأت إلى ربط كل مدينة تفتحها بطريق تصل نهايته بمدينة روما، حتى تبقى هذه الدول والمدن والأقاليم تحت حكم العاصمة الرومانية وعليه كان كل من يستدل على هذه الطرق ويسأل عن نهايتها يعرف بأن كل الطرق تؤدي إلى روما العاصمة الرئيسية لإمبراطورية الرومان قديما وإيطاليا اليوم، لكننا اليوم يمكننا بكل ثقة أن نهدي السالكين في طرق السياسة الوعرة والدبلوماسية الصعبة إلى دولة باتت هداة الضالين بها ونقول (كل الطرق اليوم تؤدي إلى الدوحة) نعم العاصمة القطرية التي استطاعت أن تشق بنجاح طريق السياسة الصعب وتضع بصمة في كل محطة تعبرها بثقة مؤكدة أن الحلول يمكن أن تكون لها أشكال غير الحرب والدمار والنزاع ولغة السلاح القاسية وما ينتج عنها من شتات وتهجير ومآس، وعليه كان وصف قطر بالوسيط الناجح والوسيط النزيه وأنها تملك عاصمة قوية تجمع الفرقاء وتحتوي الخلافات وتؤوي المظلوم فيهم وتختصر مسافات الحوار بين الأطراف وتصل بهم إلى حل يرضي الجميع دون أن تستنقص من حق طرف على الآخر أو تتعدى على سيادة الدول وتفعل كل هذا مع محافظتها التامة على علاقات طيبة مع الجميع، وهي معادلة لا يمكن لمن يحقد عليها ويتلصص بخبث على سياستها الناجحة ويشكك في نواياها من خلال أبواق إعلامية مشبوهة ومدفوعة لها أن يصل لجوهر هذا النجاح الذي جعل من قطر اليوم محطة (one way) يستقر فيها المتنازعون والمتخاصمون فيلقون ما جاؤوا لأجله ولعل ما جرى في أحداث أفغانستان المتسارعة جعل العالم يتوجه إلى قطر اليوم قبل أن يرسم سياسته القادمة مع طالبان التي تولت السلطة في البلاد بعد ما يزيد على عشرين سنة كانت في حرب دائمة مع القوات الأمريكية، التي جاءت بصفة محررة وخرجت بصفة محتلة ليغدو العالم بأسره بمنظماته الدولية وبلدانه الرسمية مجبرا على تبادل العلاقات مع طالبان التي لا يزال نفس العالم يحتفظ بأفكار سيئة ومحدودة عنها والمصنفة أمريكياً وفي بعض دول أوروبا في قوائم الإرهاب والقوائم السوداء التي يجرم التعامل معها، ولذا كان لنفس هذا العالم المستدير من جهاته الأربع أن يختار التوجه إلى قطر قبل أن يشكل سياسته القادمة مع أفغانستان ليعرف كيف له أن يتبادل العلاقات معها بوضوح وشفافية كما هو مفترض في أي علاقة ثنائية بين أي دولتين. وعليه فإن الدوحة عجلت بخطواتها السياسية والدبلوماسية من خلال تأكيدها على أن تعمق طالبان مفهوم السلام بشكله الحضاري في البلاد وأن تبني وطنا يليق بآمال شعبه الذي لاقى الويل والهوان على مدار عقود كثيرة وأن تحاول إثبات حسن النية مع العالم ليستطيع الطرف الآخر أن يبادلها النية الطيبة التي يمكن بعدها أن تقيم علاقات مصالح مع دولة وأخرى، وأن تدخل ضمن مصاف الدول المستقرة سياسيا لتستقر بعدها اقتصاديا واجتماعيا من خلال تكوين نسيج مجتمعي واع بما عليه من واجبات أمام ما يمكن أن يناله من حقوق مشروعة، وهذا التوجه السريع نحو قطر التي تساهم إسهامات فعالة في إجلاء طواقم وكوادر أجنبية من أفغانستان من خلال رحلاتها المنظمة من وإلى بالإضافة إلى إيوائها للمئات من العائلات الأفغانية المتوجسة، إنما يدل على أنه إذا بدأت المخاطر من أي بقعة في هذا العالم فإن نقطة الأمان تلتقي في قطر حمامة السلام وكعبة المضيوم والوسيط الذي لا يشكك في نواياه أحد غير الغراب الذي لم يستطع أن يكون حمامة أو يمامة ولا أن يعود غرابا وهذا شيء من أشياء ساهمت قطر ولا تزال تساهم لإنجاح وساطاتها ومساعيها التي لم تتوقف يوما على إرساء لبنات السلم في الأزمات!.