16 سبتمبر 2025

تسجيل

النسب الروحي

25 يونيو 2015

لقد شاعت في أوساط اجتماعية كثيرة فكرة : إن ما لله لله وما لقيصر لقيصر وهو أن المرء يقاطع الدين أو يجامله بكلمات باهتة، ثم يختط لنفسه طريقاً في الحياةلا تعرف المسجد ولا تقيم وزناً لمواريث السماء ومع هذا فهو يزعم أنه استكمل أسباب الثقافة والتمدن والكرامة واستجمع خصال الخير.لقد صالح الإسلام في تعاليمه بين مطالب الجسد ومطالب الروح، وبين واجبات الدنيا وواجبات الآخرة فكأنه عقد صلحاً بين متطلبات الدارين، كيان واحد يستقبل به عالماً ليست فيه فواصل بين الموت والحياة .قال الله تعالى (وأبتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إنّ الله لا يحب المفسدين).ليس في الإسلام انفصال بين العمل للدنيا والعمل للآخرة فإن العمل للدنيا بطبيعته يتحول إلى عبادة مادام مقروناً بشرف القصد وسمو الغاية.عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مر بنا رجل فعجبوا من جلده ونشاطه ما أعجبهم فقالوا: يارسول الله لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: إن كان يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه ليعفها ففي سبيل الله، وإن كان يسعى على أهله ففي سبيل الله، وإن كان خرج يسعى تفاخراً .« وتكاثراً ففي سبيل الطاغوت إن عبادة الجسد وعبادة المادة والتمرد على الأساس الإلهي في الحياة الإنسانية عوج لا يتمخض عنه إلا الشر والبلاء، وآفة الحضارة الحديثة أنها سخرت العقول للشهوات وأسكتت نداء الروح وجحدت إن الإنسان نفخة ونفحة من روح الله (ونفخت فيه من روحي). إن الإسلام يلح على كل إنسان فوق ظهر الأرض ألا ينسى صلته بالسماء وألا يتجاهل أصله المنبثق من روح الله.إن الحرية الحقيقية ليست في حق الإنسان أن يتدنس إذا شاء ويتطهر إذا شاء بل الحرية أن يخضع الإنسان نفسه ليقود الكمال الإنساني وأن يتصرف داخل حدود رسمت له ومن أجله (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً) إن الحرية التي تهفو إليها الشعوب، وتنادي بها كبار القلوب، إنها حق البشر في أن يعيشوا بها حياة زكية نقية فليس من حق أي إنسان أن ينسلخ عن طبيعته أو يتمرد على فطرته باسم الحرية.إن الحرية ليست حقاً للإنسان بأن يتحول إلى حيوان مستأنس، إذا شاء أو يجحد نسبه الروحي إلى رب العالمين، أو يقترف من الأعمال ما يوهي صلته بالله،ويقوي صلته بالأرض (واتل عليهم نبأ الذي ءايتانه ءاياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه).إن الحرية بهذا المعنى عن إبعاد الأمور عن مجراها الصحيح فإنك إن سبرت مثل هذا الإنسان لوجدته ذليلاً لنفسه منقاداً لشهواته عبداً لبطنه أو فرجه.كم يكون الإنسان نازل الرتبة تافه القيمة إذا كانت وظيفته في هذه الحياة لا تتجاوز بضع عشرات من السنين يقضيها على ظهر هذه الأرض ثم يقضي دونعودة وينتهي بذلك أمره كأن لم يكن كما تنتهي آجال الذئاب في الغاب أو الشياه في الحقول ألهذا خلق الإنسان؟أو لهذا استخلفه الله في هذا الكون.(والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم) (كلوا وتمتعوا قليلاً إنكم مجرمون).إن الله سبحانه كما شرف الإنسان بالكثير من النعم كلفه بالخطير من الحقوق لله أولاً ولهذا الكون الذي هو جزء منه (أيحسب الإنسان أن يترك سدى).ولما كان الإسلام كلمة الله الأخيرة لأهل الأرض، وهو دين يحترم طبائع الأشياء لأنه دين الفطرة (التي فطر الله الناس عليها) فيستحيل عليه أن يلحقه تعديل أو تبديل لذلك قال عز في علاه (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم).إنه الأثر السماوي الفذ الذي بقي مستعلياً على التحريف والتغيير يصل الإنسان في هذا الكون بخالق الأكوان، ويرتفع به عن مستوى التراب وآمال التراب والذين أخلدوا إلى التراب، إنه يعرف الناس بربهم أولاً لكنه لا يصلهم بالله على ما بهم من شراهة وبغي وأثرة واعتداء وظلم، بل يغسل عن قلوبهم وأرواحهم أوحال الأرض ويشرع لهم من العقائد والعبادات والأخلاق والمسالك ما تزكو به أنفسهم وما يدربهم على فعل الخيرات وحب المعروف وتحسين الحسن وتقبيح القبيح.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.