12 سبتمبر 2025

تسجيل

التجربة البريطانية في الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص في مشروعات البنية التحتية (1)

25 يونيو 2014

أيقنت بريطانيا كغيرها من دول العالم المتقدمة منها والنامية بأهمية البنية التحتية، من تعليم وبحث علمي وصحة ونقل ومواصلات واتصالات وغيرها من المرافق وما يرتبط بها من تحديث وتطوير وزيادة معدلات النمو الاقتصادي، وذلك بالنظر لأن مشروعات البنية التحتية تعمل على خدمة أهداف الأجيال الحالية من خلال توفيرها لفرص عمل سريعة وكثيفة تساعد على زيادة معدلات الإنفاق ومن ثم تدوير عجلة التنمية الاقتصادية بالبلاد، كما تخدم في ذات الوقت الأجيال القادمة من خلال إتاحتها بيئة فعالة لبناء اقتصاد قوي قادر على جذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية وما يترتب على ذلك من توفير فرص عمل عديدة وتحقيق تنمية مستدامة ومعدلات نمو مرتفعة. وهو الأمر الذي اعتمدت عليه جميع الدول الآسيوية ذات الاقتصادات الأسرع نمواً في نهضتها الحديثة، بدءاً من اليابان وسنغافورة ومروراً بكوريا الجنوبية والصين وماليزيا والهند وغيرها، حين اعتمدت هذه الدول كثيراً على الإنفاق بسخاء على تطوير وتحديث التعليم والبحث العلمي في ظل وجود بنية تحتية متطورة ومتقدمة... وهو ذات السلاح الذي استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية للخروج من براثن الأزمة المالية العالمية الراهنة التي بدأت في الربع الأخير من عام 2008 حين قام الرئيس أوباما باعتماد خطة تحفيز مالي ضخمة وتم توجيه غالبية أموال الخطة لمشروعات البنية التحتية التي خلقت فرص عمل سريعة وكثيفة وزادت من معدلات الإنفاق وخلق الطلب على منتجات الشركات المختلفة، فتوقفت عن تسريح عمالتها أو التخلي عنها، بل أدت هذه الخطة إلى زيادة صادرات هذه الشركات وزيادة ربحيتها وارتفاع قيمة أسهمها بالبورصة ومن ثم تحريك وتنشيط الاقتصاد الأمريكي الهش، وهو ما اعتمدت عليه أيضاً معظم الدول الخليجية في نهضتها الراهنة، والتي بفضلها زادت الاستثمارات الأجنبية بالدول الخليجية من مليار واحد سنوياً في العقد الأخير من القرن الماضي ليصل المتوسط السنوي خلال العقد الأخير إلى أكثر من 60 مليار دولار. ولقد أدركت بريطانيا مدى أهمية البنية التحتية في زيادة كفاءة الخدمات العامة المقدمة للمواطنين ودورها المهم في تحفيز وجذب الاستثمارات المباشرة وتعزيز فرص التنمية والنمو، واعتمدت في تحقيق ذلك على خلق نوع من الشراكة طويلة الأجل بين الحكومة والقطاع الخاص لتنفيذ عدد من مشروعات البنية التحتية التي تحتاج إليها الدولة ولا تمكنها ميزانياتها من تنفيذها في المدى المنظور، وبموجب هذه الشراكة يقوم القطاع الخاص بتصميم وتمويل وبناء وتشغيل وإدارة وصيانة هذه المشروعات، على أن توفر الحكومة له الأراضي التي تقام عليها المشروعات واستخراج الموافقات والتصاريح اللازمة.وبموجب هذه الشراكة يكون للحكومة البريطانية حق ممارسة سلطة الدولة في الرقابة والتوجيه والإشراف على هذه المشروعات، كما أن عليها كذلك سداد قيمة التكلفة وهامش الربح للقطاع الخاص مقابل تنفيذه لهذه المشروعات، ويكون ذلك على مدى زمني طويل "وفقاً لشروط ومدة التعاقد التي تتراوح بين خمسة أعوام وثلاثين عاماً" ولا يبدأ سداد أي أقساط إلا بعد انقضاء ثلاثة أشهر من بدء تشغيل المشروع وبشرط إصدار الجهة الإدارية المتعاقدة شهادة بقبول مستوى جودة الأعمال أو الخدمات المتاحة.... وقد استطاعت الحكومة البريطانية من خلال هذه الشراكة مع القطاع الخاص تنفيذ أكثر من ألف مشروع عملاق للبنية التحتية خلال العقد الأخير دون أن تتحمل الخزانة العامة أعباء ضخمة وذلك بالنظر لسدادها قيمة المشروعات والأعمال المنفذة على أقساط صغيرة القيمة "نسبياً" وعلى آجال زمنية طويلة.وتهدف الشراكة البريطانية بين الحكومة والقطاع الخاص إلى جذب استثمارات النماذج الجادة من ذلك القطاع لتنفيذ بعض مشروعات البنية التحتية المدرجة بخطة الحكومة، مما يكون له من دور فعال في الحد من اقتراض الدولة وخلق سوق محلي للتمويل طويل الأجل وتوفير العديد من فرص العمل الحقيقية ويرفع في ذات الوقت من كفاءة الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، مما يساعد على دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، ويعد كذلك وسيلة فعالة في تمويل بعض من المشروعات الضخمة التي يقتضي الصالح العام إقامتها وذلك في ظل عدم قدرة موازنة الدولة على توفير التكاليف الاستثمارية المطلوبة لجميع هذه المشروعات دفعة واحدة في التوقيتات المدرجة بخطة الدولة.