31 أكتوبر 2025

تسجيل

العرب لا يقررون مصيرهم

25 يونيو 2013

سؤال مطروق دائما ومتجدد مع كل جيل في الأوساط الشعبية العربية وبين نخبة المثقفين العرب والسياسيين المستقلين، الجميع يسأل لماذا لا يستطيع العرب اتخاذ قراراتهم المصيرية من تلقاء أنفسهم؟ ودون الارتهان إلى حسابات إقليمية وعالمية ترتبط الدول العظمى بها، مع أن غالبية الدول العربية ليست بحاجة إلى انتظار مكافأة من واشنطن اليوم أو لندن وباريس الأمس التي كان لها في يوم من الأيام إرث استعماري لا يزال حبل مشيمته السياسي حيا بين عاصمتيها وبين عواصم البلاد العربية، وكل مرحلة من مراحل التطور السياسي العربي نجد هناك تراجعا في السيادة الوطنية للحكومات والقيادات العربية. عندما أمم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قناة السويس والشركات الوطنية الكبرى في مصر، خرج الناس في الشارع العربي يهللون، ولكن التاريخ الطويل الذي كشف لنا حقائق اليوم، أن الشعوب العربية طيبة زيادة عن الحد الأدنى المطلوب، ففي مواجهة الغرب الإنجليزي والأمريكي، ذهب عبد الناصر إلى الشمال الروسي، فاعتمد على الاتحاد السوفييتي العظيم آنذاك لملء الفراغ الذي حدث حينها بعد تحدي الغرب، وجاء الخبراء العسكريون السوفييت وتحول التسليح العسكري نحو السلاح الشيوعي، وخلال ستين عاما لم تستطع مصر حتى اليوم الخلاص من التبعية السياسية والاقتصادية، فهي عادت لترتد نحو الولايات المتحدة الأمريكية، ولتعتمد على المساعدات الاقتصادية منذ بدأ الرئيس الراحل محمد أنور السادات التحول نحو المنطق السياسي عقب حرب 1973، وكلله باتفاقية كامب ديفيد التي أودت بحياته. مصر "الأم الكبرى " للعالم العربي لا تدري اليوم على أي جنب تنام، فهل حال شقيقاتها الأصغر أفضل حالا منها؟ إطلاقا لا، فالقضية لا ترتبط بالحجم بل بمشروع الدولة العربية القائم على التبعية السياسية أيضا فضلا عن الاقتصادية، ولو نظرنا إلى كل دولة عربية على حدة لوجدنا أن كلا منها لها حصة في هذه المصيبة التي لا تستطيع التخلص منها، ففي الشرق العربي كانت لبنان ولا تزال مزارع سياسية مختلفة، وكل مزرعة تتبع إلى سوق خارجي يتحكم بنهجه السياسي والفكري البرلماني، لهذا لم يستطع اللبنانيون التخلص من إرث الانقسام القديم بين الطوائف والفئات الشعبية الأخرى، حتى أن نكتة سياسية كانت تطلق على الوضع اللبناني الضعيف تقول: لبنان هو البلد الوحيد الذي يستطيع النقاش في كل القضايا الدولية إلا قضايا دولة واحدة هي لبنان نفسها،  بالطبع يعرف الجميع لماذا لا يستطيع اللبنانيون اتخاذ قراراتهم السيادية بشكل تام ومدى التدخلات العربية والغربية في الشأن الداخلي اللبناني، ولكن هناك سؤال آخر هل حال بقية الدول العربية التي تتحكم في شأنها الداخلي أفضل من حال لبنان الأمس؟ الجواب لا، لأن هناك قضايا إقليمية ترتبط مصيريا بدول عربية ولا تستطيع أي دولة اتخاذ قرار حازم للتعامل مع ما يجري حولها دون اللجوء إلى دولة عظمى أو كبيرة لإسنادها، كما يحدث في سوريا التي لجأ نظامها إلى الدعم الإيراني العسكري المباشر للتعامل مع أزمته الخانقة، فيما يعتمد سياسيا على روسيا كوليّ له ووصّي عليه أمام الاتحاد الأوروبي مجتمعا وأمام الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا منفردين، طلبا لحماية ظهره الخارجي لتبقى يداه تفتك بالداخل الوطني. الأسبوع الماضي قال لي رئيس مجلس الأعيان الأردني طاهر المصري وهو رئيس وزراء أسبق، إنه وخلال زيارة لوفد برلماني أردني إلى موسكو قبل أشهر، اجتمعوا مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لا فروف ودار حديث طويل فيما يتعلق بالقضايا الدولية والعربية وكان الشأن السوري حاضرا بقوة، وأضاف أنهم حثوا لافروف على التفكير بحل لإنهاء الصراع عن طريق إخراج الرئيس بشار الأسد من دائرة الحكم، ولكن رد الوزير الروسي كان عنيدا، فقال بالتحديد إنه يعتبر نفسه وزير خارجية سوريا أيضا وإنهم يدافعون عن سوريا كما لو أنهم يدافعون عن موسكو، وهذا الموقف برأيي مفهوم لأن الروس يشعرون أن الناتو وفرنسا تحديدا أخرجوهم من ليبيا دون أي فائدة تذكر رغم الوعود التي سمعوها شريطة حيادهم عن دعم نظام القذافي آنذاك. إذا متى سيفهم العرب وقياداتهم أن مصالحهم الوطنية لا يمكن صنعها أو المحافظة عليها في عواصم الدول الكبرى، وأن التشرذم والاقتتال السياسي بينهم لن يسمح لهم بالتنفس عالميا ولا حتى إقليميا، وسيبقون مخنوقين داخل قرارات غير معلنة وتعليمات هاتفية تأتي عن طريق كبار المسؤولين في الدول الغربية والشرقية، وستبقى كل دولة كبرى تتدخل في شؤونهم الداخلية أكثر من قدرتهم هم التحكم بها، فالعالم بدأ مبكرا بكسر قيود الانحياز إلا لمصالحه، ونحن نشتري قيود الانحياز والتبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية بمالنا وبثرواتنا التي هي من حق الأجيال التي ستلعننا في المستقبل، كما لعن البعض ممن سبقنا. ترى لو كان القرار العربي مستقلا، ومتوافقا عليه دون المساس من أي عاصمة شقيقة لسيادة شقيقتها، هل بقينا كل هذه الفترة من الزمن نعد جثث الضحايا الأبرياء وغير الأبرياء من الشعب السوري وغيرهم على أرض سوريا، كيف بدول ترى في نفسها أنها ذات سيادة وإطار جغرافي ودبلوماسي وعسكري قوي، لا تزال تنتظر إلى ما سيقرره الأجنبي بشأن مصير دولة عربية مشكلتها واضحة، وحلها أوضح من الشمس في رابعة النهار، فيما تتحول إلى حطام ومقابر للأبرياء، ولا ندري الدور على من بعد ذلك!.