12 سبتمبر 2025
تسجيلما زال هذا الموضوع يشكل أحد شواغلي الرئيسة، ولازالت الأسئلة المحورية المرتبطة به تلحّ علي دون الوصول إلى إجابات حاسمة حتى الآن .. لماذا لا يزال هناك بون شاسع بين ناشئتنا وشبابنا والعمل التطوعي والخيري، وما أفضل السبل لتجسير الهوة بين الطرفين، وهل قامت الجهات ذات العلاقة بما ينبغي عليها في إطار غرس القيم ونشر الثقافة المرتبطة بهذا الجانب، أم أن للمشكلة زوايا أخرى لا بد من التوقف عندها. أطراف العلاقة الرئيسون هم: الأسرة والمؤسسات التربوية والتعليمية ووسائل الإعلام والمؤسسات الإنسانية والخيرية والنوادي الشبابية، وكل منهم على ثغرة مهمة ، ويكمل كل طرف منهم الآخر في إنجاح هذا المشروع الحيوي لأمتنا ومجتمعاتنا العربية والإسلامية . والإلحاح على تقصي أسباب الخلل والدفع باتجاه المعالجات والحلول يقف وراءهما حجم الفوائد الذي ستجنيها مجتمعاتنا في حال انخراط الناشئة والشباب في العمل التطوعي على عدة مستويات ، وحجم المنافع على ستعود على الشرائح الفتية في نفس الوقت . فالتطوع ركيزة أساسية في بناء المجتمعات ونشر التماسك الاجتماعي بين المواطنين، وهو أيضا ممارسة إنسانية ارتبطت ارتباطا وثيقاً بكل معاني الخير والعمل الصالح في شريعتنا الاسلامية وكل الشرائع، إضافة إلى كونه يمثل خيارا استراتيجيا للتنمية ، ورافدا أساسيا للجهود الحكومية ومقدما لكثير من الخدمات، فضلا عن عائده ، حيث يعتبره الكثير من الباحثين والمختصين استثمارا اقتصاديا وداعما للاقتصاد الوطني للدول. نقرأ ونسمع عن محاولات لغرس القيم ـ وضمنها قيم الإيثار والتعاون والبذل ..ـ وعن تشجيع العمل التطوعي لدى المدارس والخدمة المجتمعية، أو عن برامج في وسائل الإعلام التي تعالج جوانب في التطوع، أو أنشطة وفعاليات تحثّ على الانخراط في هذه الميادين، ومنها المسابقات والأيام الخاصة ، وعن أقسام للتطوع في بعض المؤسسات الخيرية، ولكن بالرغم من ذلك ما يزال التعريف بالعمل التطوعي ودوره وأهميته للأفراد والمجتمعات نادرا، ومازال الإقبال عليه محدودا، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هناك الكثير من المحفزات التي ينبغي أن تشجع على ذلك بقوة بدءا بالدافع الديني ، ومرورا بموروثنا التراثي وعاداتنا العربية الأصيلة، وانتهاء بتوفر مجالات كثيرة يمكن من خلالها المساهمة في أعمال تطوعية تنفيذية وميدانية ، أو تلقي التدريب وتطوير القدرات . ينبغي أن يكون واضحا أن الالتحاق بالعمل التطوعي والخيري ذو فائدة لكل من المجتمعات والأفراد معا، فالمجتعات تكون أكثر ترابطا وتماسكا في أوقات الشدة والرخاء تظللها مظلة التكافل والتراحم والتعاطف ، وتكون أكثر أمانا باستثمار أوقات الشباب فيما ينفع ويفيد، وغرس الخيرية في نفوسهم بدلا في انشغالهم أو إشغالهم في أمور قد تؤدي للانحراف وسفاسف الأمور ، كما أن قيمة وتأثير العمل التطوعي على اقتصاد الدول غير مُدرك في عالمنا العربي، حيث لم ينل استحقاقه المطلوب في الأدبيات الاقتصادية ولم يُشر إلى أثره في حسابات الناتج المحلي الإجمالي في مجمل الاقتصاديات العربية، لكن الدراسات تؤكد على الارتباط الوثيق بين التطوع والدخل الوطني، حيث تُشير إحدى الدراسات إلى أنّ معدل ساعات التطوع المبذول في الولايات المتحدة الأمريكية يوازي عمل تسعة ملايين موظف، ويُقدر مجموع الوقت الذي تم التطوع به في إحدى السنوات ما قيمته 176بليون دولار، فيما بلغت موارد إحدى منظمات التطوع الأمريكية ـ المتطوعون الأمريكيون ـ 532 مليون دولار. أما انعكاسه على أفراد المجتمع وخاصة الشباب فإنه يعد خير طريقة لتنمية قدراتهم في مواجهة التحديات وإكسابهم مهارات وخبرات تتيح لهم فرصا أفضل في التوظيف وخصوصا في القطاع الخاص الذي يشكو من قلة التدريب والخبرة لدى شباب ينقصه الحماس والحيوية، كما أنهم يحققون من خلاله ذواتهم ويكسبهم الثقة بأنفسهم، ويشعرون من خلاله بالراحة والسكينة والطمـأنينة والسعادة. ما نحتاجه ليعود الاعتبار للعمل التطوعي في أوساطنا بالصورة المشرقة التي عرفتها حضارتنا الإسلامية في عدد من العصور هو خطة متكاملة شاملة ، لا يعمل فيها كل طرف من أطراف العلاقة منفردا ـ مع افتراض أن كل طرف يقوم بدوره المناط به أصلا ـ ، بل يكون الجميع يدا واحدة، من تنشئة الأبناء تنشئة سليمة، على القيم وروح العمل الجماعي منذ مراحل الطفولة المبكرة، وأن تضم البرامج الدراسية للمؤسسات التعليمية المختلفة بعض المقررات الدراسية التي تركز على مفاهيم العمل الاجتماعي التطوعي وأهميته ودوره التنموي ويقترن ذلك ببعض البرامج التطبيقية، مما يثبت القيم في نفوس الشباب، ومطالبة وسائل الإعلام المختلفة بدور أكثر تأثيرا في تعريف أفراد المجتمع بماهية العمل التطوعي ومدى حاجة المجتمع إليه وتبصيرهم بأهميته ودوره في عملية التنمية، وكذلك إبراز دور العاملين في هذا المجال بطريقة تكسبهم الاحترام الذاتي واحترام الآخرين، وإقامة دورات تدريبية للمتطوعين والعاملين في الهيئات والمؤسسات التطوعية مما يؤدي إلى إكسابهم الخبرات والمهارات المناسبة، ويساعد على زيادة كفاءتهم في هذا النوع من العمل، واستخدام التكنولوجيا الحديثة لتنسيق العمل التطوعي بين الجهات الحكومية والأهلية.