14 سبتمبر 2025

تسجيل

الأخلاق قبل القانون

25 أبريل 2023

في إحدى زياراتي للمستشفى أوقفت سيارتي في المواقف الخاصة بالزوار وفي طريقي إلى المدخل الرئيسي كانت هناك مجموعة من المواقف لذوي الاحتياجات الخاصة، كانت كل المواقف مليئة بالسيارات، وكلها تحمل لاصقا خاصا بذوي الاحتياجات الخاصة، أي أن الجميع ملتزم بالقانون، لكن ماذا لو كان هناك من يستغل سيارة أو ملصقا لذوي الاحتياجات الخاصة وهو من الأصحاء؟، لا شك أن وضع السيارة من الناحية القانونية سليم ولن يعرض صاحبها للمخالفة ولكنها في الوقت ذاته ممارسة غير أخلاقية واستغلال لميزة أعطاها القانون لمن يستحقها، هنا يبدو الفعل قانونيًا لكنه ليس أخلاقيًا. عندما نتعامل مع القوانين دون النظر إلى مقاصدها الأخلاقية فإننا نفرغها من محتواها وننزع منها روح الإنسانية حتى لو كانت تصرفاتنا في الإطار القانوني، وهنا تبرز الحاجة لتطوير القوانين وجعلها أكثر صرامة للحد من استغلالها من أولئك الذين لا يملكون الحس الأخلاقي في المجتمع، وتلك العملية للأسف تجعل من حياة الناس أكثر صعوبة ومشقة، فتجدهم يعانون حتى لا يقعوا تحت طائلة القانون. في المقابل هناك أعمال تبدو أخلاقية ولكنها ليست قانونية، أي أنها تستغل الأخلاق لاختراق القانون، مثال على ذلك جمع التبرعات بدون تصريح من الجهات المعنية، سواءً كان ذلك في أماكن العمل أو المجمعات التجارية أو المساجد أو حتى المجالس، وبغض النظر عن نبل غايتها وعلاقتنا بمن يعمل على جمعها، فإنها يجب أن تكون ضمن إطار القانون وذلك حماية للمجتمع وأفراده من الاستغلال السيئ لقيم المجتمع وأخلاقه. وهناك ممارسات ليست أخلاقية ولا قانونية، أدناها أن يقطع السائق الإشارة الحمراء إذا لم يلاحظ وجود رادار، لذا فهي تمارس في غياب القانون والرقابة والوازع الديني والأخلاقي، فهي باب الفساد الذي ينخر المجتمعات ويقوض النظام، فمن خلاله تشترى الذمم وتنتهك الأمانة، ومن مظاهره أن يؤتمن الخائن، ويوكل الأمر لغير أهله، فتنتشر الرشوة والمحسوبية، وتستغل المناصب، ويسرق المال العام، أو يهدر بدون طائل، وتنحسر النزاهة والشفافية. وفي الختام أقول من الممكن أن نتصور مجتمعا بلا قانون، ولكن من المستحيل تصور مجتمع بلا قيم، فالقيم هي أساس القانون ومادته، فإذا ما تبنى مجتمع ما منظومة القيم وأصبحت تمارس بصفة عفوية بين أفراده يصبح المجتمع كالأسرة الواحدة، والأسرة لا يحكمها القانون بل يحكمها الوجدان المشترك والتراحم بين أفرادها.