20 سبتمبر 2025

تسجيل

ماذا يجري في السودان؟

25 أبريل 2023

في العشر الأواخر من رمضان، وبينما يستعد المسلمون لعبادة العشر الأواخر، ويستقبلون عيد الفطر، كان السودان يغرق بدماء قواته، وشعبه، حيث تحوّلت المدن السودانية فجأة إلى ساحة حرب، وتدخلت القوات الجوية لحسم المعركة دون جدوى بين رفاق السلاح، الشركاء المتشاكسين، لكن في زحمة الصراعات وكثرة المتدخلين، وتعقد المشهد، يصبح فهم المعادلة صعباً، ولذا التبسيط والعودة إلى الجذور مفيد في هذه الحالة من أجل بناء قاعدة سليمة لفهم الحدث، حتى يتمكن المرء من تحليل الآفاق ويستشرف المستقبل، لاسيما وأن صراعاتنا غدت في كثير منها، إن لم يكن كلها ذات خلفيات وأبعاد إقليمية ودولية، حيث يغدو العامل المحلي ضعيف التأثير في عناصر اللعبة الحقيقية. يقف على رأس المعادلة الداخلية شخصان وهما الجنرال عبد الفتاح البرهان كرئيس للدولة وقائد للقوات المسلحة، يشاركه نائبه محمد حمدان دقلو الذي يقود قوات التدخل السريع والتي تشكل حوالي المائة ألف جندي وهم من بقايا مليشيات الجنجويد المتهمة بارتكاب حملات إبادة في دارفور، ويحظى حميدتي بدعم اقليمي، وكذلك من قوات الفاغنر التي ارتكبت مجازر في سوريا وأوكرانيا وأفريقيا، ويتقاسمون مع بعضهم استخراج الذهب السوداني وتهريبه إلى روسيا، مما شكل مصدر دخل كبير لروسيا، ومول حربها في أوكرانيا كما يعتقد البعض. جذر الخلاف السياسي بين الطرفين أن البرهان يمثل الشرعية السودانية وهو يتطلع إلى إدماج قوات التدخل السريع في القوات السودانية، وهو ما يرفضه حميدتي ومن خلفه روسيا ويتطلع حميدتي إلى فرض قوى التغيير السودانية اليسارية المفتقرة إلى الدعم والحاضنة المجتمعية الكبيرة، مع إقصاء القوى السياسية السودانية الأخرى، التي يرى البرهان أنه لا يمكن إقصاؤها نظراً لشعبيتها وجذورها المجتمعية الضاربة الجذور، وهنا بدأ الخلاف الحقيقي، وتفجر على شكل حروب، وبالتالي غدا من الصعب جداً تصور العودة إلى ما قبل الخامس عشر من أبريل لحظة تفجر الصراع بين الطرفين، مما سيجعل موضوع المساومة بين الطرفين صعباً للغاية، يغذي ذلك كله الصراع الدولي إن كان في أوكرانيا وغيرها، مما يجعل من الصعب على الأدوات الداخلية السودانية أن تتفق في ظل تباين واختلاف واحتدام الصراع بين المحركين في الخارج. ما يجري في السودان اليوم يذكر بانهيار الصومال مطلع التسعينيات حين انهار نظام محمد سياد بري، وعاشت المنطقة سنوات من الفوضى والخراب لا تزال المنطقة تدفع ثمنه بغض النظر عن تقييمنا لمرحلة سياد بري، ولذا فإن احتدام الصراع في السودان اليوم سيؤدي إلى زعزعة خطوط نقل النفط من جنوب السودان عبر أراضي السودان الحالية، كما سيزعزع الأوضاع في ليبيا لاسيما وأن دولاً مثل روسيا، إن تحققت هزيمة حميدتي فهذا سينعكس على رجلها في ليبيا حفتر والوضع في ليبيا بشكل عام، مما سيمنح فرصة للقوى الحية الليبية في التحرك وتنظيم صفوفها وملء الفراغ الذي قد يخلفه تضعضع وتراجع قوات حفتر، وهناك العلاقة بين حميدتي وتشاد حيث يستطيع أن يعبر حدودها متى شاء، مما يعني مزيداً من الفوضى الأمنية الإقليمية، وفوق هذا موجات التشرد والنزوح في المنطقة التي ستنجم عن الحرب الأهلية السودانية، كل ذلك سيزعزع المنطقة أكثر فأكثر. لا سبيل أمام السودان سوى دعم الشرعية الحقيقية ممثلة بالقوات المسلحة، فقوات حميدتي وغيرها من المليشيات الخارجة عن السلطة الشرعية الحقيقية بمثابة فاغنر بنسخة سودانية، ولا سبيل أمام السودان إلاّ بإشراك كل القوى السياسية الحية فيه، لتجنيبه الفوضى والخراب، وإن إقصاء أي فريق على حساب فريق آخر، لن يكون في صالح السودان، ولن يكون أمراً مستداماً، فكل فريق له قاعدته المجتمعية وله أدوات ضغطه من الصعب شطبها وإلغاؤها بقرار من زيد أو عمرو.