15 سبتمبر 2025
تسجيلننشغل طوال العام بما يدور حولنا في هذا العالم الواضح حينًا والمعقد أحيانًا حد التعب. تعبٌ من أخبار الفقر والتهجير والهجرة والحروب والنزاعات والمُداهنات، والتذمر من كل شيء، والخلاف على كل شيء. الجانب المشرق موجود وساطع ولكنه بات ثمينًا جدًا حتى أضحى كالسراج الذي يحمله أصحابه خفية خشية أن يُطفئه عمى قلوب لا تحتمل ضياء من حولها. في شهر رمضان المبارك اخترتُ ألا أرى سوى هذا الضوء، وأن أحمل سراجي لأرى ما في نفسي دون ما يدور في هذا العالم، ووجدتُ ما يلي: الانقطاع عن الشعور بالهلع كلما ظهرت إشعارات العمل عبر الجوال والأخبار على شاشات التلفزة ليس لأن الإنتاجية في تراجع، بقدر ما هي قناعة تجددت أن ما عند الله باق وما عند البشر ينفد، وأن هلع الإنسان على ما لا يستحق هو ضرب من ضروب الحماقة. ثانيها: إقامة الصلاة بعيدًا عن تأديتها في روتين يومي حيث غالبًا ما نُسرع لتأديتها دون التفكير في قيمها، وفي دعوتنا اليومية لله سبحانه وتعالى أن يُهدينا صراطًا مستقيمًا، غالبًا ما نجد عكسه في سلوكيات البشر في العمل أو الشارع أو حتى بين المُصلين. ثالثها وهي الأهم: كظم الغيظ، حيث الترفع عن الدخول في نوبات غضب مهما اختلفت درجاتها بسبب ما يُزعجنا ونحن نعلم أنه في باطل، ولكننا لا نمتلك التحكم بتغييره، مثل الترفع عن الممارسات العنصرية، والترفع عمن يسعى لظلمك متعمدًا، وتمالك النفس عند الغضب واحتساب ذلك لوجه الله تعالى. رابعها: إدارة النعمة من خلال تجنب شراء المواد الغذائية بمبالغة، وإعداد وجبات الإفطار مما هو متوفر، وتقدير مشهد الثلاجة شبه الفارغة مع اقتراب حلول نهاية هذا الشهر الفضيل، وكأن المرء نجح في اختبار "ولا تُسرفوا" بدرجة متقدمة عن الأعوام الماضية. خامسها: الإيمان المطلق بآيات اختلاف الليل والنهار وما يحملانه من تأثيرات على صحة الإنسان الجسدية والنفسية، ومقاومة النفس وقدرة الجسد الهائلة على التأقلم والصمود والمرونة التي منحنا إياها رب العالمين للتعامل مع التغيرات الفيزيولوجية التي تحدث نتيجة الصيام وقيام الليل والتغيير في مواقيت النوم والعمل. سادسها: البُعد عن جنون الاستهلاك في المجمعات التجارية، والثقة بأن الجمال والثقة بالنفس يبرزان في هالة المرء مهما تبدلت ماركاته التجارية وغلا ثمنها، فالتسوق متعة عندما تعرف قيمة نفسك، ونقمة عندما تجعل ما تدفعه قيمة فوق نفسك. سابعها أنه مهما تصدقنا فإننا ما نزال مدينين وما زلنا نشعر أن في تعبنا وسعينا اليومي صدقة لمن لا يجد قوت يومه، وأننا نخجلُ من الحديث عما تصدقنا به، مقابل من يتبجح بذلك ويُروج لعمله الخيري ويُكرم ويُصور. المُحسنون المجهولون نفوسهم راقية لا يُقاطع صفوهم سوى خاطرة أو فكرة أُوحيت إليهم عند التدبر في كل آية. نسأل الله أن يتقبل صيامكم وقيامكم وأن يُبلغنا وإياكم العيد بالصحة والعافية.