11 سبتمبر 2025

تسجيل

الخوارزمي والمعادلة الأخلاقية

25 أبريل 2021

قبل أكثر من 1200 سنة وضع عالم الرياضيات المسلم الخوارزمي أبوعبدالله محمد بن موسى معادلة من طراز فريد، اختزل فيها برأيي جميع التحليلات والتفسيرات والنظريات السابقة واللاحقة للفلاسفة وعلماء النفس وعلماء الانثروبولوجيا (علم الانسان) لماهية الجنس البشري، معادلة تدرك عندما تتأمل فيها مدى عبقرية هذا العالم المسلم ليس في الرياضيات فحسب وإنما في جميع العلوم. فقط سُئل هذا العالم الجليل عن الإنسان فأجاب بمعادلة رياضية غاية في الروعة والجمال، قال " الإنسان بأخلاقه يساوي الرقم 1 فإذا كان ذا جمال نضع صفرا يمين الواحد أي يصبح 10، فإذا كان ذا مال نزيد صفرا أي يصبح 100، وإن كان ذا حسب ونسب فأيضا نزيد صفرا فيصبح 1000، وتنقص الأصفار وتزيد على حسب هذه المكتسبات، ولكن عندما يفقد الإنسان الأخلاق فهنا تأتي معضلة المعادلة، حيث يختفي الواحد الذي يعطي معنى لجميع الأصفار مهما كثرت أو زادت فهي لا معنى لها بدون الواحد، فهي مجرد أصفار لا قيمة لها، قيمتها وأهميتها فقط عند وجود الرقم واحد. لقد تجلت معرفة وحكمة الخوارزمي بهذه المعادلة البسيطة التي بحق تعري حقيقة البشر، فهم مجرد أخلاق وسلوكيات وتعاملات، فإن كانت مجموعة هذه القيم تصب في بوتقة الخلق الحميد فقط صلح ما سواها وإن فسدت فجميع الصفات والمكاسب الدنيوية والخلقية الأخرى تصبح مجرد أصفار هامشية. والآن لنحاول أن نطبق معادلة الخوارزمي على الواقع، ولنختار مثلا سيناريو وهميا قد يكون من أرض الواقع أو هو مجرد فنتازيا لا أكثر ولا أقل، لنفترض أن مسؤولا ما في مؤسسة خدمية يملك ما يملك من أموال وأملاك ومناصب في شركات ومؤسسات تجارية " لا غير عليه في شبابه والسامع يقول آمين"، ولنفترض فرضا وليس جزما بأن هذا المسؤول لا يمكن الوصول إليه بسهولة فأمام باب مكتبه كتيبة من الموظفين ورؤساء الأقسام وسكرتاريات وأخيرا مدير مكتب يجلس على كرسي وثير وأمامه مكتب فاخر، فيجب عليك كمراجع أن تتخطى جميع هؤلاء وكأنك متسابق في برنامج الحصن الياباني، ولنقل أنك تمتلك قوى خارقة واستطعت الوصول وقابلت المسؤول وعرضت عليه معاملتك والتي نفترض بأنها قانونية وليس فيها أي مخالفات وإنما هناك أمور روتينية وبيروقراطية تتسبب في تعطيلها وطلبت مساعدته، فهنا ابدأ بتطبيق المعادلة فإن أكرمك المسؤول وساعدك بل وطلب منك أن توصل إليه طلبات المتعثرين أمثالك، فهو إذن يمتلك الواحد الصحيح الذي يرجح كفة ميزانه في المعادلة. وبالمقابل لو لا قدر الله لم ينصفك أو أعطاك وعودا ولم يوف بها مع قدرته على ذلك فنستنتج هنا أن الواحد الصحيح للأسف مفقود وكل هذا الهيلمان سوف يزول مع آخر يوم له على كرسيه، وهنا عزيزي القارئ تأتي أهمية الواحد الصحيح. فهذا المسؤول كيف سيذكره الناس هل سيقولون جزاه الله خيرا والله يرحم والديه والنعم فيه، أم سيقولون غير ذلك. لقد حث ديننا الحنيف على الأخلاق فعن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قال " إنما بعثت لأتمم مكارم (وفي رواية صالح) الأخلاق " رواه أحمد، وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ( لما بلغ أبا ذر مبعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر، فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ) رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: (خياركم أحاسنكم أخلاقا) رواه الترمذي. وقال: (إن من أحبكم إلىَّ أحسنكم أخلاقاً) رواه البخاري. وختاما أقول إنه لا يختلف اثنان على قيمة الأخلاق للفرد والمجتمع والوطن، فالانسان الذي على خلق رفيع في سلوكه ومعاملاته يحبه الناس ويحبون التعامل معه والتقرب منه، فبأخلاقنا نسمو ونبقى وبغيرها نهوي ونفنى. @drAliAlnaimi