18 سبتمبر 2025

تسجيل

مكتبة قطر الوطنية

25 أبريل 2018

في جو احتفالي ثقافي وحضاري، تم افتتاح مكتبة قطر الوطنية يوم 16 أبريل الجاري، بحضور حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد أل ثاني أمير البلاد المفدى، وصاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الأمير الوالد، وصاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة التعليم فوق الجميع، وجمع غفير من كبار ممثلي الدول الشقيقة والصديقة، والوزراء والمسؤولين. وتأتي هذه المكتبة العصرية صرحًا تنويريًا جامعًا لصنوف المعرفة والآداب والفنون، حيث اكتمل عدد كتبها رقم المليون، بوضع سمو الأمير كتاب (الجامع الصحيح من السنن) للبخاري، الذي وُضعه محمد بن إسماعيل البخاري عام 870 ميلادية. ورغم جمال المبنى الذي جاء تحفة فنية، واتساع البهو العام، والصالات الأخرى، فإن توظيف التكنولوجيا أضاف كثيرًا إلى الخدمات التي يمكن أن تقدمها المكتبة لروادها، ناهيك عن تخصيص أماكن للأطفال ولذوي الاحتياجات الخاصة. ولا شك أن هنالك جهودًا بُذلت كي تكون هذه المكتبة على المستوى الدولي، وبما يليق بسمعة قطر في المجالات الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إن طفرة التكنولوجيا، وعدم اهتمام النشء بقيمة الوقت، وكيفية إدارته، وعدم وجود مكتبة حديثة، إلى جانب دار الكتب التي كانت المورد الوحيد لطالبي العلم والثقافة، منذ إنشائها عام 1962؛ جعل الحاجة ملحة لوجود مكتبة وطنية، تحتضن التراث القطري والإبداعي، في صنوف المعرفة كلها، وتقوم بتعريف القارئ الآخر، المرتبط إلكترونياً بالمكتبة، بما يعتمر في وجدان وعقول المبدعين القطريين من أفكار واتجاهات فكرية وثقافية وفنية. ورغم ما برز خلال الأيام الماضية من ملاحظات على حفل افتتاح المكتبة، وبعضها جدير بالمناقشة، ويستحق التوقف، إلا أننا، ومن باب الحرص على نجاح جهود المكتبة وإدارتها، نرى الآتي: 1- ضرورة إيصال فكرة المكتبة إلى الأُسر، كي تتفهم دور المكتبة في تعليم الأبناء وتثقيفهم، وكيفية استخدام مرافق المكتبة في مراحل أعمارهم. 2- أهمية دمقرطة الفاعليات التي تقوم بها المكتبة، كونها تقع في قطر، مع الإقرار بعالمية الكتاب، وعدم حصر الثقافة في جنسية أصحابها، ولكن ما نعنيه هنا، أن تلعب المكتبة دورًا في التعريف بالكتاب القطري، وبالمبدع القطري، إلى جانب تلك الفاعليات الأخرى، وأن يكون للمبدع القطري دور في تلك الفاعليات. 3- ولأن المؤلف القطري يواجه تحديًا واضحًا، وهو محدودية ما يُطبع له، لدى الجهات المعنية، أو اقتناء مؤلفاته، فإن دور مكتبة قطر الوطنية هنا يكون إيجابيًا فيما لو خصصت جزءًا من جهودها في احتضان المواهب القطرية، وطبع ما يصلح من إنتاجها، والقيام بترجمة الأعمال الناضجة للكتاب القطريين، وهذا سوف يساهم في نشر الكتاب القطري للمقيمين في قطر، وللمتصلين بالمكتبة إلكترونيًا. ولا بأس من تشكيل لجنة من المبدعين القطريين تكون مهمتها مساعدة إداريّي المكتبة في وضع الفاعليات. 4- إن قيمة المكتبة ليست في حفل الافتتاح أو جمال المبنى، بل في مدى الاستفادة من وجود المكتبة، حتى لا تكون في المستقبل، كأي مشروع لفَّهُ النسيان، وهذا يتطلب مزيدًا من المواكبة والتفاعل مع الجمهور، وتحليل آراء الكُتاب القطريين والمقيمين أو المغردين، الذين علّقوا على افتتاح المكتبة. 5- وإذا كانت دار الكتب قد حفظت الإبداع القطري، وإن كان بصورة تقليدية منذ إنشائها، إلا أنه لا بد من وجود خطوط تلاقٍ بينها وبين مكتبة قطر الوطنية، وقد يكون هذا موجودًا الآن، لأن كل المخطوطات والوثائق وما يخص تاريخ دولة قطر موجود في الدار، إضافة إلى إنتاج المبدعين القطريين، الذين أودعوا نسخًا من كتبهم فيها. وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية أن تقوم مكتبة قطر الوطنية بالتواصل مع المؤلفين القطريين – وهم محصورون في كتاب (دليل المؤلفين القطريين) الذي أصدرته وزارة الثقافة والفنون والتراث عام 2012، ولربما جرت عليه بعض التحديثات. وذلك حقٌّ للكُتاب والمبدعين أن يُحفظ إنتاجُهم للأجيال القادمة. 6- ومن الخطط الإيجابية لتفعيل دور مكتبة قطر الوطنية، أن يُصار إلى تفاهم بين المكتبة والمؤسسات التعليمية والشبابية القطرية، وذلك عبر تنظيم زيارات لطلاب المدارس والكليات والجامعات إلى مبنى المكتبة، كي يتعرفوا على المكتبة عن كثب، ويدركوا أهمية ما يمكن أن تقدمه المكتبة لهم. أتصور مكتبة قطر الوطنية بعد 500 عام! قد يكون هذا ضربٌ من الخيال!؟ ولكن كثيرًا من الإبداعات والأفكار العلمية بدأت بفكرة خيالية! فالذي أنشأ مكتبة الإسكندرية منذ أكثر من ألفي عام ووضع فيها أكثر من 700 ألف مجلّد، لم يدر بخلده أنها ستبقى إلى هذا اليوم، إذ لو كان (بطليموس) حاضراً لشاهد كمَّ التطور حصل لتلك الجدران المهترئة من الصخور! تمامًا كما حدث لمكتبة بيرغامس في الأناضول (197-159 قبل الميلاد) في عهد الإمبراطورية الرومانية القديمة، ومكتبة آشور بانيبال ( 627-668 قبل الميلاد)، حيث سُميّت باسم آخر ملوك آشور (آشور بانيبال) وحوت (ملحمة جلجامش) الشهيرة. وهنالك مكتبة سيلسوس، في الأناضول، وتأسست عام 135 وحوت 12 ألف مخطوطة، بل إن مؤسسها، وهو عضو مجلس الشيوخ (ت، يوليوس سيلسوس) قد دفن فيها. وهنالك مكتبات شهيرة عدة في جامعة دبلن (كلية ترينيتي) عام 800 والمكتبة الوطنية النمساوية عم 1723. (knowlegeOworld.blogpost.comm) وبعد، فإن أي صرح حضاري يُقام على أرض قطر، هو خدمة لمن يعيش على هذه الأرض، وزرعٌ سيؤتي أُكلهُ ليس اليوم، ولكن لأجيال قادمة!