18 سبتمبر 2025

تسجيل

بين اليوم العالمي للأرض وربيع الثورات العربية

25 أبريل 2012

صادف الأحد الماضي 22/ أبريل، " يوم الأرض" والذي يحتفل فيه العالم سنويا، اعتبارا من عام 1990، ليذكرنا بالبيئة المحيطة بنا، التي أهملها الإنسان، ولوّثها برا وبحرا وجوا. ويحثنا على توعية الناس بالمحافظة على البيئة. هل من صلة بين اليوم العالمي للأرض وبين ربيع الثورات العربية؟ هذا السؤال قفز إلى ذهني، لسببين الأول: أن كثيرا من الحكام العرب ومنهم الذين ثارت شعوبهم ضدهم كالقذافي ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ كانوا سببا في تلويث أو إلحاق الضرر الذي وصل إلى حد تدمير بيئة بلادهم بسبب سياساتهم السيئة الخاطئة، أو خلال عدم تخصيص الميزانيات اللازمة لذلك، بسبب سرقة ثروات شعوبهم ومواردها، أو توجيهها إلى قضايا مضحكة مبكية، كدعم ثوار نيكارجوا، أو شق النهر العظيم أو تأليف وطباعة وتوزيع الكتاب الأخضر، بينما تغيب الخضرة والاهتمام بالزراعة والغطاء النباتي عنها بالصورة التي تحيلها إلى جنة، رغم أنها تعد من الدول النفطية، كما أن نظاما آخر مازال يصارع من أجل البقاء، بقوة البطش والحديد والنار ضد شعبه والمتهم منذ الثمانينيات باستقبال ودفن نفايات نووية في بلاده مقابل ثمن تم قبضه من قبل رموز نفاذه فيه. أما الأمر الآخر، الذي ذكرني بيوم الأرض مرتبطا بربيع التغيير العربي هو حملة توعوية لشباب يمني بقيادة ناشطة (هند الإرياني)، للتوعية بمخاطر القات، والدعوة للإقلاع عن مضغه، وإن بصورة متدرجة، وقد جاءت هذه الحملة بعد انتصار الثورة اليمنية، وانتهاء حكم الرئيس المخلوع علي صالح، عبر فعاليتين الأولى في شهر فبراير بعنوان: " يوم بلا قات" دعت للتوقف عن عادة مضغه (التخزين كما يسميه اليمنيون) في البيوت في ذاك اليوم، والأخرى كانت في الثاني عشر من هذا الشهر بعنوان: "منشآت حكومية بلا قات "، لحث الجهات الرسمية على منع التخزين في الوزارات والمؤسسات الحكومية الرسمية والمطارات، والسعي لإصدار قرار حكومي خاص بذلك، آملة أن تكون هذه الخطوة سببا في زوال الصورة غير الحضارية على الأقل، وبخاصة التي تتبدى للسياح عند وصولهم لليمن، ورؤيتهم لخدود اليمنيين المنفوخة بورق القات. ورغم أن التوعية بأضراره، وحث اليمنيين على الإقلاع عن تعاطيه من خلال هذه الحملة قد يبدو للوهلة الأولى أنه ضد البيئة، بحكم أنها ضد نبات يشكّل مساحة مهمة من المساحة المزروعة في اليمن، إلا أن هذه النبتة التي وصفها شاعر كبير يلقب لدى أهل اليمن بأبي الأحرار (محمد محمود الزبيري) بالشجرة الملعونة، تعدّ خطرا على البيئة الطبيعية لليمن، وعلى اقتصادها الزراعي، وصحة وحياة اليمنيين، وهو ما يجعل من هذه الحملة وأمثالها مهمة ومطلوبة، ذلك لأنها دعوة لهم من أجل تغيير نمط حياتهم، وتعاطيهم التقليدي مع القات، وصولا للإقلاع عنه. ولأن الشباب كانوا ومازالوا وقود الحراك الشعبي وعنوان التغيير في الثورات العربية، فلم يكن مستغربا أن يتبنى الشباب هذه الحملة تخطيطا وتنفيذا، ويندمج فيها المئات كمتطوعين وناشطين، لأن التغيير والثورة على المألوف ببعديه السياسي والاجتماعي جزءان متكاملان لا ينفصلان، كما أن النجاح في بدء التغيير السياسي، ينبغي أن يقود الجماهير للتقدم في التغيير على المسارات الأخرى، التي من شأنها إحداث تغيير شامل في حياتهم، ويقودهم نحو التطور والتقدم والتنمية والازدهار. ولأنني عشت فترة من حياتي في اليمن وعرفت أضرار القات عن قرب، فقد سررت وأنا أتابع هذه الحملة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض المواد التي نشرت في الصحف، وأراقب حماس الشباب واندفاعهم في تنفيذها والإخبار عن تحقيق نجاحات، لحظة بلحظة، وإن كانت محدودة حتى الآن، ولكن حسبها أنها ألقت الحجر في المياه الراكدة. ولكي يتضح حجم أضرار القات على البيئة في يوم البيئة في بلد كاليمن نورد بعض الحقائق والمعلومات عن هذه النبتة، والتي جاء بعضها في أدبيات الحملة: ـ القات لا يقتصر ضرره على صحة أو أموال الشخص الذي يتعاطاه فقط، وإنما يتعدى ذلك ليصل تأثيره إلى إهمال زراعة الذرة والحبوب والبن والفواكه، وقيام المزارعين بقلع أشجارهم المثمرة، وتفضيل زراعة القات المربحة عليها، لوجود الكثير من المشترين. وقد وصلت مساحة الأراضي المزروعة بالقات في اليمن عام 2011 إلى 136.138 هكتار، مقارنة 110.293 هكتار عام 2002، أي أن هناك زيادة في مساحة زراعته، على حساب الأنواع الأخرى من الزراعات التي تؤدي إلى زيادة في الدخل القومي. ـ في بلد يعاني من الجفاف يفضل اليمنيون زراعة وسقاية هذه الشجرة التي تستهلك الكثير من المياه أكثر من أي شجرة، فالقات يستهلك أكثر من 50% من المياه الجوفية، وأكثر من 75% من مياه حوض صنعاء. ولأن احتفال العالم " باليوم العالميّ للأرض قبل أيام قليلة، مساهمَة منه في الحدّ من التلوّث وتدمير البيئة، اللذين يهدّدان مستقبل البشريّة.. فإن التساؤل الذي يطرح نفسه ترى متى تتخلص بلاد عربية، من أنظمة مجرمة، تعيث في أرضها فسادا، وتسعى في خرابها، وتشوه وجهها الجميل، وتهلك فيها الحرث والنسل، وتعتدي على ربواتها الحالمة بالمجد والغار، دون أن يسلم من شرورها إنسان أو حيوان أو شجر أو حجر؟!