19 سبتمبر 2025
تسجيلفي الوقت الذي يعني خفض الأسعار ميزة كبرى لبعض الدول والمستهلكين، وزيادة قدرتهم على الإنفاق الاستهلاكي بشكل مؤثر، وهو الأمر الذي أكده مؤخراً محافظ البنك المركزي البريطاني "مارك كارني"، حين أعلن عن استفادة اقتصاد بلاده إيجابياً من انخفاض الأسعار وفي مقدمتها أسعار الطاقة والمواد الغذائية.... إلا أن البعض الآخر يرى في هذا الانخفاض خطراً كبيراً على اقتصاداتهم، ويؤكدون على تعاظم تلك الخطوة مع شيوع وانتشار انخفاض أسعار الكثير من السلع والمنتجات والخدمات في أماكن كثيرة جداً من العالم وفي الوقت نفسه، بما يعطي دلالة واضحة على الضعف الشديد في حجم الطلب على هذه السلع والمنتجات عالمياً، وإزاء هذا الأمر تعالت الشكوى بالعديد من دول منطقة اليورو نتيجة لتراجع أسعار المستهلكين بها في عام 2014 بنحو 0.6%، متضمناً دولاً كبرى، كألمانيا وفرنسا وإيطاليا.هذا ويترتب على انخفاض معدلات التضخم بهذه الدول وغيرها كبريطانيا والصين والتي بلغت معدلات التضخم بها أقل من 1% مجموعة من المخاطر، ومن بينها توقف أو خفض المستهلكين لإنفاقهم الاستهلاكي انتظاراً لحدوث المزيد من خفض الأسعار وما يترتب على ذلك من انخفاض كبير بحجم الطلب، كما أن خفض الأسعار في جميع القطاعات الاقتصادية دون حدوث انخفاض مماثل في الأجور سوف يترتب عليه تآكل هوامش أرباح عموم الشركات ومن ثم جمود، أو بحد أدنى، خفض معدلات التشغيل وزيادة البطالة، وإن كان هذا الأمر لم يترجم فعلياً على أرض الواقع حتى الآن، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، إلا أنه ما زال يمثل احتمالاً قائما، بالإضافة إلى تراكم المديونية في ظل انخفاض معدلات الأرباح، وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة الديون المعدومة في محافظ هذه الدول.مع التأكيد على اتباع البنوك المركزية العالمية، خاصة في العالم الغربي، بعد الأزمة المالية العالمية الراهنة لسياسات نقدية غير تقليدية تهدف إلى دعم النمو وخفض البطالة حتى لو كان ذلك على حساب معدلات التضخم من خلال تمسكها بسياسات التحفيز المالي وبرامج التيسير الكمي وشراء الديون والسندات، وكذا خفض أسعار الفائدة بالبنوك. ويتضح ذلك من تصريح محافظ البنك المركزي الياباني "هاربو هيلكوكي ورودا" بأن عليه أن يفعل كل شيء وأي شيء للوصول إلى معدل التضخم المستهدف للبلاد والذي لا يقل عن 2%، وهو ما أكده كذلك محافظ البنك المركزي البريطاني "مارك كارني".إلا إن الأمر الأكثر خطورة والمترتب على انخفاض معدلات التضخم، خاصة في الغرب، هو انعدام أو الضعف الشديد لمرونة السياسات النقدية، حيث إنه من المعلوم أنه في ظل الارتفاع النسبي لمعدلات التضخم، فإن هذا يتيح للسلطات النقدية مساحات أكبر للمناورة وفرض أسعار فائدة حقيقية أقل من الصغر، بل وتكون سالبا أحياناً، خاصة في المدى القصير، وأن معدل التضخم المنخفض يحد كثيراً من قدرة البنوك المركزية على تحفيز الاقتصاد من خلال عدم التوظيف الإيجابي الفعال لسعر الفائدة المنخفض.. وهو ما دفع الكثير من البنوك المركزية بالدول الغنية المتقدمة إلى خفض أسعار الفائدة إلى ما يقرب من الصفر، بهدف تنشيط الطلب وتشجيع الإنفاق، بل وقيام بعض هذه البنوك بفرض رسوم على الودائع، وهو ما دفع بعضاً من المدخرين والمستثمرين لسحب أموالهم من البنوك.وفي ضوء ذلك فإن الكثير من الخبراء والمتخصصين في الشؤون النقدية والمالية يرون أن مثل هذه الأوضاع تحد كثيراً من قدرة البنوك المركزية على مواجهة أي ركود محتمل قادم قد يتسبب فيه المزيد من خفض الأسعار، أو تباطؤ معدلات نمو الاقتصاد الصيني واقتصادات الأسواق الناشئة، أو حدوث ارتفاع كبير في قيمة الدولار الأمريكي وما يمكن أن يعكسه ذلك على ديون هذه الدول الدولارية، أو أي مسببات أخرى قد تحدث في ظل حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي التي تسود الكثير من دول العالم.لذا فقد قام البنك المركزي الأمريكي وعدد ليس قليلا من البنوك المركزية حول العالم، وفي مقدمتها بنوك الدول المتقدمة، بتخفيض سعر الفائدة "فيما سمي بسياسة سعر الفائدة صفر"، وذلك في محاولة منها لعلاج مشكلة الركود الاقتصادي الذي تعاني منه هذه الدول الكبرى الغنية، بالإضافة إلى اتباعها لسياسات نقدية ومالية تهدف إلى خفض قيمة عملاتها، وذلك في محاولة حثيثة منها لمواجهة مشكلة انخفاض الأسعار المتفشية بها والعمل على زيادة معدلات التضخم المستهدفة.