12 سبتمبر 2025

تسجيل

الإبداع والرقابة

25 مارس 2014

من المسلم به أن الأعمال الإبداعية قادرة على التأثير فى المجتمع سلبا أو إيجابا .. ليس فى وقت خروجها للنور فقط .. بل قد يمتد تأثيرها لسنوات طوال لا يعلمها غير الله .. ولا نكون مبالغين إذا قلنا لأجيال كثيرة تالية . والمقصود بالأعمال الإبداعية هنا هو النصوص الأدبية المكتوبة بكافة أشكالها سواء كانت رواية أو قصة قصيرة أو أقصوصة أو نص مسرحى مكتوب .. وقد يتحول بعض هذه النصوص الأدبية إلى عمل يسمعه أو يشاهده الجمهور مثل التمثيليات والمسلسلات الإذاعية – وإن كانت قد انحسرت فى السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ – وكذلك التمثيليات والمسلسلات التليفزيونية فضلا عن الأفلام السينمائية بطبيعة الحال والتى تعرض فى دور السينما ثم يُعاد عرضها على شاشات التليفزيون لسنوات وسنوات .. ونفس الكلام يُقال عن المسرحيات التى تٌعرض على المسارح ثم تصور وتعرض أيضا على شاشات التليفزيون لسنوات طويلة جدا . وخطورة الأعمال الإبداعية هذه أنها تطرح لجمهور الناس ما بين عالم وجاهل .. وصغير وكبير .. منها ما يحافظ على القيم المجتمعية والدينية وهؤلاء ننحنى لهم احتراما .. ولكن المشكلة تكمن فى أن أغلب القائمين على الأعمال الإبداعية – والمعروضة منها على شاشة السينما والتليفزيون على وجه الخصوص – لا يراعى ذلك ولا يضعه فى الإعتبار أساسا متعللا تارة بالواقعية وتارة أخرى لجذب الجمهور وتارة ثالثة من باب الإستظراف وخفة الظل .. بينما يقف المكسب المادى خلف هؤلاء بالتأكيد . ولا شك أن قبضة الدول الرقابية – كل الدول بغير استثناء – قد خفت إلى حد كبير لدرجة أنها تكاد تكون قد تلاشت تماما ولم يعد لها وجود .. وحتى عندما يحدث تدخل ولو بسيط تقوم الدنيا ولا تقعد بدعوى حرية الإبداع وحقوق المبدعين . ومما يشجع على غلبة هذا الرأى أن بعض النقاد – إن لم يكن معظمهم – يذهبون فى رأيهم إلى أن أى عمل من أعمال الرقابة يمثل إنتقاصا لجماليات العمل الإبداعى وبالتالى حرية المبدع فى توصيل القيمة الكامنة فى العمل والتعبير عنه بل ويتسبب فى خسارة كبيرة متمثلة فى عدم الإستمتاع بالعمل ذاته أو المغزى الكامن وراءه والذى يذهب إليه المبدع .. والمقصود بأعمال الرقابة هنا ليس ما كان شائعا فى القرن الماضى من تدخل الجهات الرقابية والتى كانت بدورها خاضعة للأجهزة الأمنية .. وكان كل هؤلاء يعملون تحت راية سياسية معينة لتوجيه الرأى العام وإخضاعه لما يريدون له أن يكون .. ولكن أن تكون هناك ضوابط يخضع لها الجميع حفاظا على القيم المجتمعية والدينية كما أسلفنا . ونحن بدورنا لا نرغب فى عودة ما كان شائعا فى تلك الأيام حيث كانت كل الأعمال الإبداعية بكافة أشكالها يتم عرضها على الرقيب الذى يجيز هذا ويمنع ذاك أو يتدخل لحذف بعض الجمل أو المشاهد وهو ما كان يعرف فى تلك الآونة بمقص الرقيب وهذا المصطلح الغريب لا يزال يستخدم حتى اليوم على سبيل الفكاهة والدعابة .. وكانت الدول والمجتمعات ترى فى مقص الرقيب هذا أمر لا غنى عنه لكى تستقيم الأمور وتكون الحياة أكثر سعادة وإنتظاما بينما يرى المعارضون لذلك أن ذلك يخلق جوا من الرهبة والخوف بين المبدعين وبالتالى يؤدى إلى موت الرغبة فى الإبداع أو انحسارها .. وحتى لو لم يتدخل الرقيب فإن المبدع سيعمل – وفقا لرأى هؤلاء – بيد مرتعدة خشية مقصه هذا .. بمعنى أن الرقيب سيسيطر على وجدان المبدع خوفا من الوقوع تحت سطوته خاصة إذا ما تزايد القمع الخارجى واتسع مجاله .. وهذا يعنى أن الرقابة الذاتية لدى المبدع ستكون مكبلة فى جميع الأحوال . وقد يلجأ بعض المبدعين إلى المراوغة لخروج أعمالهم إلى النور فيستخدمون ما يمكن أن نطلق عليه عدم المباشرة أو الرمز ولكننى هنا أقصد الرقابة الذاتية هى تلك النابعة من المبدع دون خوف أو وجل من أى مؤثر خارجى سواء كان رقيبا أو غيره اللهم إلا قناعاته الشخصية التى ينشد من ورائها صالح المجتمع الذى يعيش فيه .. ونستطيع أن نطلق عليه هنا الرقيب الداخلى حتى لو خلت الساحة من الرقيب الخارجى والمتمثل فى سلطات الدول وأجهزتها . وأنا هنا مع هذه الرقابة الداخلية أو الذاتية لأن الرقيب الخارجى قد ينخدع بالمراوغة أو الرمز أو خلافه كما أسلفنا ولكن الرقيب الداخلى المتمثل فى ذات المبدع لا يمكن خداعه وإلا أصبح الأمر تعمد يُحاسب عليه المبدع نفسه قبل أن يُحاسبه الآخرون . ونحن نطرح هذه القضية أمام القراء الأعزاء للوقوف على وجهات نظرهم فى هذه القضية الشائكة وفى انتظار تعليقاتكم . وإلى اللقاء فى مقالنا القادم بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين