11 سبتمبر 2025
تسجيلإطلالة أولى لي أتشرف بها أن أعود للكتابة في الصحافة العربية عبر أشهر الصحف العربية "الشرق القطرية"، حيث الدوحة، ومؤتمر القمة العربي، وحيث الآمال المعقودة على حبال المستقبل التي تطمح بها الأمة العربية لانتشال الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي مما هو فيه بعد سنين عجاف عاشتها الشعوب العربية بين دموع ودماء وآمال وآلام، خصوصا الدول التي ناهضت الأنظمة القمعية المصابة بالشيزوفرينا السياسية، حيث بعض القادة رحلوا وخلعوا ومنهم من يهرول نحو نهايته، وكانوا أشبعونا تنظيرا وأستذة، قبل أن تكشف شفاههم المبتسمة عن أنياب متعطشة لدماء خصومهم. إلى الدوحة ترحل عيون الشعوب العربية طلبا لخارطة خلاص تريح ذلك التاريخ السياسي المُتعَب والمُتعِب لهم، حيث القادة والزعماء العرب في قمتهم العادية الرابعة والعشرين تنعقد في عاصمة أصبحت إحدى أهم العواصم الصانعة للقرار العربي، والمؤثرة في رفع أشرعة التغيير أمام رياح المستقبل الذي لم يعد يقبل بتلك "الهولاكية القيادية" التي قاتلت ببربرية لتبقى جاثمة على صدور شعوبها، فالشعوب لا تحيا بالحروب، بل بمنحها الثقة والكبرياء والانتماء والحرية، فهي التي تصنع جيلا ينهض حتى من تحت رماد واقعه المرّ، نحو منافسة العالم المتحضر. على جدول أعمال قمة الدوحة عدد من الملفات العالقة ولكن الملف السوري لا يترك لغيره الكثير من الاهتمام، فعلى هذا الاجتماع الرئاسي مهمة ليست بالسهلة لوضع الأمور في نصابها فيما يتعلق بالقضية السورية التي تتجاذبها عواصم عدة، بينما الشعب السوري يقتل ويُشرد، والنظام الحاكم هناك ما زال يملك ترف الوقت ويشتري الأيام ويشن حربا ضارية ضد كافة المدن السورية، مع أنه يعلم علم اليقين أنه خاسر على أي حال، فمعركته ليست على الجبهة الإسرائيلية، بل بين بيوت المدنيين الذين لا يجدون سوى الجيش الحرّ خصما مقاتلا بإمكانات متواضعة، فيما المعارضة السياسية لا تزال مشتتة، وهذا يخدم النظام في شراء المزيد من الأشهر. في المقابل لا تزال القضية التاريخية للعرب الفلسطينيين في صراع وجودهم تراوح مكانها، لا بل تتراجع الآمال بتحقيق أمن سياسي واقتصادي وسلام عادل لهم أمام الصلف الإسرائيلي الذي أعاد بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم، وضغوط أمريكية على الرئيس محمود عباس لعدم اللجوء إلى المحكمة، فيما لا يزال قطاع غزة يئن وأهله من جراح الحرب الظالمة ضده، وحصار وحشي على مليون ونصف المليون آدمي يعيشون بأدنى الإمكانات البشرية، فهل يعقل في هذا الزمن أن ينتقل الغذاء والدواء والحاجات الأساسية للبشر عبر أنفاق رملية قد تنهار في أي لحظة؟ وما السبيل إلى إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني أمام العنجهية الإسرائيلية البربرية، وهل هناك قرار عربي حازم يضع حدا لهذه المهزلة؟! وإن كانت الأمة تلعق جراحها، فإن البيت العالي للأمة المتمثل في الجامعة العربية هو الآخر بحاجة لحركة تصحيحية تنقل قمم القادة من حالة التشخيص والمداولات إلى غرفة العمليات، تتخذ فيها قرارات ملموسة، لا أن تبقى الجامعة متجرا لبيع الأحلام والأوهام، وفي الوقت الذي تخلصت مقاعد القادة من بعض الأصنام القديمة، على هذه القمة أن تتعلم من جارتها أوروبا على الأقل، لتضع إستراتيجيات للتعاون العربي الحقيقي لخدمة الشعوب والارتقاء بها تنمويا وسياسيا واقتصاديا، وتطبيق سوق حرة عربية مشتركة، والبدء بخطوات عملية نحو تحقيق الأمن الغذائي والعودة إلى الجذور في مجالات الزراعة والتعدين، نحو صناعات عربية تغني عن الاستهلاك المفرط للسلع الرخيصة القادمة من شرق آسيا، أو المنتوجات الزراعية من شتى قارات العالم. على القادة العرب الذين يجتمعون في قمتهم أن يفهموا أن الزمن قد تغير، وأن التحولات في المجتمع العربي أصبحت حادة ولم يعد ذلك المجتمع القديم، وأن من لا يفتح نوافذ بيته لتدخل الشمس ويستوعب الأوكسجين الجديد، سيبقى يعاني من اضطراب الرؤية وعلل الجهاز الرسمي وصعوبة التنفس السياسي، ومن لا يشرك الآخرين في رأيه لا يعينوه في ورطته. فهلّا رأينا جديدا في هذه القمة، وهلّا انتبه القادة إلى أن عددا من المقاعد قد أخلاها قسرا من كان متكبرا متعاليا وهو لا يرى سوى نفسه، وهلّ إلى ربيع قيادي جديد يعيد لمؤسسة الجامعة العربية الدور الذي من المفترض أن تلعبه فعلا، أو على الأقل أن تنفذ قراراتها المعلنة.. هل لنا أن نقول هناك مستقبل؟!