19 سبتمبر 2025

تسجيل

مساحة الحرية المهدورة

25 فبراير 2021

الملاحظ أن مجتمعنا في العقود القليلة السابقة كان يمارس مساحة من الحرية أكثر مما يفعله اليوم، فيما يتعلق بشؤونه وظروف معيشته وما يعترض طريقه من مشاكل وعقبات، اليوم هناك تراجع واضح وملموس في هذه المساحة بشكل مخيف. الإشكالية أن هذا التراجع "ذاتي" المنشأ وليس من فعل حكومي أو خارجي، والسبب في اعتقادي هو طريقة معالجة مشاكل المجتمع والأبواب التي تُطرق في معالجتها، هناك توجه مجتمعي ورسمي تقريباً يرى أن مواجهة التغير السريع الذي تمر به البلاد تقتضي مقاربته من خلال "الهوية" والخوف عليها من التأثر والذوبان، وهذا توجه سالب يفترض الحماية من خلال الانكماش والتقوقع والتمترس داخل الهوية، الأمر الذي قتل تلك المساحة الجميلة التي كان الجيل السابق يمارس من خلالها مخاوف ما يعتريه من تغير وتبدل، وكان من المفترض مقاربة ذلك من باب الحرية وزيادة مساحتها الأمر الذي سيعود إيجاباً على الهوية ذاتها. تكريس مساحة الحرية لا الهوية هو المنطلق الصحيح، ولكن كيف يتم ذلك؟ وسائل الاتصال الاجتماعي لن تخدمنا في ذلك بشكل صحيح ومنظم وفعّال، الحرية تحتاج مجالاً لكي تُمارس فيه بشكل فعّال وواضح بين الفرد والسلطة، وهذا المجال هو المجتمع، وبالتالي يجب تنظيم المجتمع كما كان المجتمع منظماً بطريقة تلقائية سابقاً "وجهاء - أعيان - شخصيات عامة" لها مكانة عند الحكومة وعند الناس، تتدخل عند اللزوم وتنوب عن المجتمع في إبداء لرأيه وما يشعر به. اليوم جمعيات المجتمع المدني يمكن أن تلعب هذا الدور لو وجدت ودعمت، وغداً المجلس المنتخب هذا هو الأمل إذا تخلص من ديدن الهوية الذي يلازمه ولم يكن يلازم المجلس الأول، وكذلك البنية الدستورية للدولة هنا مكمن الطلب والمقاربة اللازمة، وهذه المجالات وهي مجالات "حرية" بامتياز، الأمر الذي أريد التأكيد عليه هو أن مقاربتنا للمجتمع من باب الهوية ليست هي خيار المستقبل أبداً، والأحق والأصح مقاربة المجتمع انطلاقاً من الحرية وتوسيع مجالها وبذر بذورها وانتعاشها في المجتمع، الذي سيعمل بالتالي على إيجاد هوية تمارس الحرية وليس هوية تتخذ من التوقع مجالاً للدفاع عن بقائها، وتخاف من الإشارة إلى مكامن الخلل، فتزداد تقوقعاً واحتقاناً كما هي عليه الآن. [email protected]