09 أكتوبر 2025
تسجيلعطفا على المقال الفائت، حول عنوان المقال أعلاه، أستكمل الحديث عن رحلتي المشار اليها تلك إلى محافظة فطاني، وكنت ذكرت بأن مقالي هذا يقدم عرضا مختصرا للمسيرة الحضارية في تلك المنطقة الواقعة في قلب جنوب شرق آسيا، وأقصى جنوب مملكة تايلند، وسبق أن أشرت بأنها كانت مملكة إسلامية، وتشكل حاليا ما يعرف بشبه جزيرة الملايو، ومحافظة فطاني تقع على مسافة 1050 ألف وخمسين ميلا من بانج كوك العاصمة، وتستغرق الرحلة إليها بالطائرة ساعة ونصف إلى ساعتين حسب الأحوال الجوية، وتحدها ماليزيا جنوبا وبحر الصين شرقا، ويحدها غربا بحر أندامان المتفرع عن المحيط الهندي، ويقطنها حوالي سبعة ملايين نسمة تقريبا، يشكل المسلمون الملاويون النسبة الأكبر بينهم ومنهم من تعود جذوره الى أصول عربية، ويتحدثون بلغة الملايو ويكتبونها بالأحرف العربية مع زيادة حرف آخر، كما يجيدون التحدث بالتايلندية وكتابتها كذلك. والمحافظة المذكورة تزخر بثروات وموارد طبيعية وصناعية وفيرة. بدأت النهضة الحضارية في فطاني مع دخول الإسلام إليها وانتشاره بفضل أخلاق وأمانة التجار العرب المسلمين، في القرن الخامس عشر الميلادي وعرفت حينها بدار السلام، وفي عصرنا الراهن فإن تلك المحافظة العزيزة تضم معالم حضارية زاهرة كالمدارس والمساجد والجامعات والمرافق التجارية والسياحية وتجمع في طرازها المعماري بين الهندسة الإسلامية والتايلندية، ومن مزايا المجتمع التايلندي أنه ودود متسامح، والمسلمون هناك يتعايشون مع بقية طوائف المجتمع بسلام واحترام متبادل وتفاعل منسجم، إضافة الى أن قوانين البلاد تشجع على ضمان الحريات والحقوق العامة وتصونها، وهذا المناخ الاجتماعي الصحي يعكس مدى السلوك الحضاري الذي يسهم المسلمون التايلنديون بفاعلية في ترسيخه وتعزيزه مع كافة أطياف المجتمع مع تمسكهم بعناصر شخصيتهم المميزة. وهم حريصون على نشر الوعي والثقافة في أوساط الشباب المسلم، وأهمية المحافظة على هويتهم الإسلامية، وتفعيل دور التعليم والتدريب، والعمل الدعوي المبني على الاعتدال والوسطية، كما تؤدي جامعة فطاني دورا كبيرا في تزويد المجتمع بكوادر مؤهلة لقيادة عجلة التنمية المستدامة، ويشكل الخطاب الدعوي أفقا رحبا في المجالين الثقافي والفكري، من خلال الدعاة الحكماء سواء على منهج جماعة التبليغ الميدانية، أو المنهج السلفي، ويوجد مركز دعوي في مديرية سوغي كولوق وتعد جماعة التبليغ أكبر جماعة دعوية في فطاني التي دخلتها مطلع عام 1980 م، وتتكامل أدوارها مع اشقائها في بقية الجماعات الإسلامية، بينما قامت الدعوة السلفية هناك على جهود بناءة لرواد هذه الدعوة من أبناء فطاني القادمين من كبريات الجامعات الإسلامية في دول العالم العربي. ولابد من الإشادة بجامعة فطاني الإسلامية التي تدمج بين المنهجين الشرعي والأكاديمي المعاصر، وتشكل واجهة حضارية مشرقة في مملكة تايلند، وتستقطب أعدادا كبيرة من الطلبة وتعتمد في تشغيلها على الموارد المالية من الهبات والصدقات والاوقاف الاستثمارية مع رسوم رمزية بسيطة تتقاضاها من الطلاب، وجدير بالذكر أن المحسنين والمحسنات من أهل قطر الحبيبة كانت لهم يد السبق في دعم وتشييد وتشغيل مرافق ومعامل جامعة فطاني إضافة إلى إخوتهم من رجال الأعمال والمحسنين من دول الخليج العربي، ومن اللافت الجميل، أن جامعة فطاني تعتبر أول جامعة على مستوى العالم تدرس مقررا جامعيا في السلم والتعايش بين أفراد المجتمع التايلندي، وتعتمده متطلبا جامعيا في كافة التخصصات. الأسبوع المقبل إن شاء الله أتحدث عن أهم المحطات التي مررت بها في زيارتي لمحافظة فطاني مع بعض التوصيات والمقترحات ذات الصلة. فإلى ذلك اللقاء بإذن الله. [email protected]