17 سبتمبر 2025
تسجيلشعور العرب الجزائريين تجاه المنتخب الأولمبي الفلسطيني كان عربيا أصيلا بامتياز، فلقي الفريق الفلسطيني حفاوة بالغة لدى نزوله بمطار هواري بومدين، بعدما تجمع آلاف المحبين والمناصرين لاستقبال البعثة الفلسطينية، التي تزور الجزائر في إطار مباراة ودية تحضيرية بين المنتخبين الأولمبيين، ووجدت الشرطة صعوبات جمة لتسهيل خروج بعثة "الفدائي" من المطار، نظرا إلى العدد الهائل من المواطنين الذين حملوا رايتي البلدين، وهتفوا طويلا لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مرددين عبارتهم الشهيرة "جزائر الشهداء.. فلسطين الشهداء". الجزائريون في المباراة كانوا يشجعون الفريق الفلسطيني وليس فريق بلدهم! اللاعب الفلسطيني أهدى هدف الفوز إلى الشعب الجزائري، فضج الملعب بالهتاف. أؤمن تماما، لو أن الفريق الفلسطيني لعب أمام أي منتخب لبلد عربي آخر، لتصرف معه بالتصرف الجزائري نفسه! أرجوكم أنا لا أحلم! فقط أردد حقيقة واضحة: إن الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج ما زالت تحتضن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية مركزية لها! لا فرق بين عراقي وقطري ومصري ومغربي وفلسطيني وسوداني. أذكر في مدرستي الابتدائية، وكان ذلك في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، كيف كنا نردد نشيدنا الصباح عن الجزائر، وفيه: "وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر.. فاشهدوا". كنا نتبرع بمصروف يوم من كل أسبوع (قرش واحد) لنصرة الجزائر.من يؤمن بالعروبة، ويعتقد بحتمية زوال إسرائيل، يبدو في نظر كثيرين وكأنه في العصر الخشبي وأنه خارج إطار التاريخ والزمن، وأنه بعيد عن الواقعية والموضوعية. بالتأكيد فإن هؤلاء المتهِمين (بكسر الهاء) يعتقدون باستحالة إعادة إحياء الشعور القومي وإزالة دولة الكيان، من ثم فهم يتفاوضون معها، ويوقعون اتفاقيات سلام مع قادتها، ويرون أن وجودها أصبح واقعًا مفروضًا، وأنها تملك من عناصر القوة ما لا يؤهل الفلسطينيين والعرب جميعًا من الحديث: حتى عن إمكانية هزيمتها جزئيا، فهي مزنّرة بالسلاح النووي وأحدث ما تنتجه مصانعها ومصانع حليفتها الاستراتيجية: الولايات المتحدة وعموم الدول الغربية، من أسلحة.بالمقابل، هناك المؤمنون والمعتقدون بحتمية زوالها، لأسباب كثيرة: دينية وقومية ووطنية ويسارية أيضًا، ومن هؤلاء: العروبيون والمتابعون للداخل الإسرائيلي بكل تفاصيله، ونتيجة معرفتهم الدقيقة للتفاصيل يرون استحالة التعايش مع هذه الدولة، فعدوانها الدائم والمستديم هو الذي يؤسس لبداية نهايتها، فهي ترفض كافة الحلول التي جرى تقديمها إليها: حل الدولتين، فالواقع يشي باستحالة هذا الحل، كما حل الدولة الواحدة هو أيضًا مستحيل مثلما هو حل الدولة الثنائية القومية وحل "دولة لكل مواطنيها"، فإسرائيل تطمح إلى بناء دولتها اليهودية، والصهيونية ستظل صهيونية، والعقيدة التوراتية- التلمودية هي الخلفية التي أسست وماتزال للعنصرية الصهيونية، وللعدوان ولارتكاب المجازر، وللاستعلاء، وإبقاء حالة الحرب مفتوحة على الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين (الذين لا يرضخون للإملاء السياسي الإسرائيلي للتسوية أو الحل، الذي يتخلص في حكم ذاتي للفلسطينيين وإقامة سلام مع الدول العربية دون شروط من قبلها ليكون سلامًا مقابل سلام)، هذه هي إسرائيل باختصار شديد، ومن يعارض وجهة النظر هذه، فليكشف لنا عن حقائقه.حول حتمية إزالة إسرائيل يمكن القول أيضا: اعتمادًا على التاريخ فإن غزاة كثيرون احتلوا فلسطين والأرض العربية وتناوبوا على حكمها، ولكن مثلما كان زوال كل أولئك الغزاة حتميًا، فلن يكون المشروع الاستعماري الصهيوني بأفضل حالًا من كل أولئك الذين هُزموا وحملوا أمتعتهم وعصيّهم على كواهلهم ورحلوا. صحيح أن فروقات كبيرة توجد بين المشروع الاستعماري الصهيوني، وبين كل تلك المشاريع، كوننا نواجه مشروعًا اقتلاعيًا لأصحاب الأرض الأصليين، وإحلال المستوطنين محلهم. فعندما تنضج الظروف المواتية ستتم إزالة الدولة الصهيونية.وفي الختام نذكّر: بأن أكثر المتشائمين لم يتوقع انهيارًا للإمبراطورية البريطانية التي لم تكن الشمس تغيب عن ممتلكاتها ولا الإمبراطورية الرومانية ولا السوفياتية، وغيرها من الإمبراطوريات، هذا الحال سينطبق على إسرائيل أيضًا فصلفها وعنجهيتها لا تقوم بفعل سوبرمانياتها، بل بالقدر الذي تقوم فيه على: ضعفنا نحن، نعم نحن، والحقيقة الأكيدة بأن مآلها إلى زوال. كل التحية لأمتنا العربية من المحيط إلى الخليج، والتحية أيضا لشعب المليون ونصف المليون شهيد والمجد للعروبة.