15 سبتمبر 2025
تسجيلسادت أجواء التفاؤل قارة اليورو بعد التوصل إلى اتفاق على تمديد خطة إنقاذ اليونان أربعة أشهر، وبعد أن قطعت وعوداً بتقديم حزمة من الإصلاحات لإنقاذ اقتصادها تجنباً لخروجها من منطقة الاتحاد الأوروبي.ووعدت اليونان دول اليورو بأنها ستوفر للخزينة مبالغ مالية مناسبة لإنقاذ اقتصادها، وذلك من خلال جملة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والمعيشية، مؤكدة أنها قادرة على الخروج من عنق الأزمة الخانقة التي تعصف بدول أوروبا الواحدة تلو الأخرى في السنوات الأخيرة.ورغم مؤشرات التفاؤل كما يراها اقتصاديو أوروبا إلا أنني أراه التفاؤل المشوب بالمخاطر، والاتفاق الهش الذي يؤدي للمزيد من الاختلالات المالية، فمدة الأربعة أشهر التي طلبتها اليونان لن تكون كافية لإصلاح اقتصاد مؤسسي للدولة، إذ يتطلب هذا النوع من الإصلاحات الذي تعرض للانهيار في أنظمته المالية والمصرفية والاقتصادية إلى سنوات، تمر بمراحل متدرجة من السياسات الإنقاذية، ولا يتأتى في أشهر معدودة.وإزاء هذا الموقف فقد اتحدت الإرادة الدولية من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي لإنقاذ اليونان عبر حزمة مالية ميسرة، تمكنها من النهوض من كبوة الأزمة.ولكن برنامج الإنقاذ الأوروبي تحيط به بيئات اقتصادية في عدد من دول الاتحاد، ما زال الكثير منها يتأرجح بين الصعود والهبوط، ويمكن ملاحظة ذلك من أسواق المال التي تتأرجح هي الأخرى بين المكاسب والمخاسر.في رؤية متعمقة أكثر قرباً من الواقع.. فإنّ الكيانات الاقتصادية في عالمنا تعاني هي أيضاً من الخلل من جراء تنامي مظاهر العنف والاضطرابات والنزاعات، وهروب رؤوس الأموال إلى خارج مناطق الاستثمار، أو إحجام الكثير منها على الدخول في صفقات بسبب الأوضاع المقلقة في الشرق الأوسط وأوروبا.وهنا أؤكد حقيقة أنّ الاقتصاد لا ينفصل على البيئة الحاضنة له، فالاستقرار والدعم اللوجستي للأسواق من الحكومات والسياسة المتزنة هي الحاضن الأساسي للاقتصاد الناجح، فلا يمكن أن ينهض اقتصاد في ظل عالم مضطرب يعاني من ويلات النزاعات أو من مشكلات متجذرة كالفقر والبطالة والمعيشة والغلاء والمرض وغيره.ولنعد إلى اليونان التي بدأت أزمتها المالية تتفاقم منذ 2010، وهي تواصل الحصول على دعم مالي خارجي من دول الاتحاد، وهي تواجه أيضاً عجزاً في سداد ديون اليورو ولو على فترات.وكان البنك المركزي الأوروبي قد وافق على برنامج الإقراض الطارئ قدره 68 مليار يورو، سيقوم بتوفيرها للبنوك اليونانية، لتفادي الإفلاس ولضمان تمويل مشروعاتها التنموية، شريطة احترام قواعد الاتحاد الأوروبي، وتنفيذ إصلاحات قابلة للتطبيق في أرض الواقع وليست خيالاً سياسياً.ولعل أهم ملامح الإنقاذ اليوناني هو اتباع نهج الخصخصة في القطاعات، وإشراك القطاع الخاص في الشركات الحكومية، وتحرير سوق العمل، وزيادة الحد الأدنى للأجور، وخلق فرص عمل جديدة، كما أنّ الإصلاحات التي ستنفذها سوف توفر على الخزينة 7 مليارات يورو، خاصة لدى محاولتها التصدي للتهرب الضريبي وفرض ضرائب كبيرة.فمثلاً أعلنت الحكومة اليونانية مؤخراً أنها قادرة على فرض ضرائب على الثروات للحصول على 2.5 مليار يورو من تحصيل الديون سواء من الشركات أو الأفراد.وأرى أنه مكسب لخطة الحكومة أكثر منه اقتصادي، لأنّ هذا الحجم من تحصيل الضرائب سيعيد الثقة في الحكومة، ويعمل على وضع قيود على المتعاملين في السوق من شركات وأفراد، للحد من التهرب الضريبي، ويعزز من برامج الإصلاح الاجتماعي والمعيشي للأفراد.فهذه المرونة في التعامل مع ديون اليونان ستنقذ عملة اليورو من التأثر في حال خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي، وأنّ تعهدها بإصلاحات سيؤثر على بعض الدول المترنحة في اقتصاد اليورو، التي تحتاج هي الأخرى لخطط عاجلة للإنقاذ.وقد أخذت اليونان على نفسها عهداً في القضاء على الفساد المؤسسي، ومحاربة ظاهرة التهرب الضريبي، وتعميق الإصلاحات، وتعجيل وتيرة النمو بتحريك عجلة الاقتصاد.ويبقى أنّ هذه الوعود لا تزال في مهدها، وأمامنا 4 أشهر لرؤية الحلول الواقعية على الأرض، والنتيجة التي يمكن أن نراها ماثلة، سعياً لإنقاذ القارة الأوروبية من تراكم الديون.وهنا أتساءل.. هل تنفصل القارة الأوروبية عن واقع الشرق الأوسط الذي يرتبط مع أوروبا بتعاملات اقتصادية جمة، ويعاني هو أيضاً من تراجع أدائه بسبب التوتر الذي يسود العديد من تكتلاته الاقتصادية الكبرى.وهل يمكن لاقتصاد أوروبا أن ينمو، وتعلو مؤشرات أسواق المال فيه.. بعيداً عن تراجع الأداء الصناعي والتجاري لدول الشرق الأوسط، أم أنّ خطط الإنقاذ لابد أن تأخذ منحى عالمياً، وألا يقتصر على اليونان فحسب، فلدينا في الوقت الراهن، اقتصادات عربية تأثرت سلباً بأهوال الدمار والحرب والعنف.