20 سبتمبر 2025
تسجيليرتبط الانسان بالمكان نفسيا، بحيث يصبح ذاكرته التاريخية التي تساعده على العيش متأقلما مع حاضره ومستقبله، بل ومصدر قوته بحكم التاريخ، ونجد في جميع دول العالم ما يسمى بالمناطق التاريخية المكتظة بالسكان واهل المنطقة. هناك في ذاكرة القطري اماكن كان من المفترض المحافظة عليها بشكلها السابق او تحسينها بطريقة تحفظ الذاكرة والمكان والتاريخ في توافق. لا شك أن عملية تطوير قلب الدوحة "مشيرب" بالذات عملية كبيرة، وبدأت تستقطب جمهوراً كبيراً من الرواد في المقاهي والمطاعم هنا وهناك، إلا أن القطع الطولي في الوعي الذي أحدثته في وقت سريع وقياسي له تأثير سلبي على ذاكرة حتى مواليد العقود المتأخرة، عملية بناء الوعي تستغرق وقتاً ليس قصيراً. أتذكر أحد كبار ساكني منطقة "البدع" التاريخية عندما سألته عن انتمائه قال لي بالحرف الواحد "أنا حصاة من حصى البدع"، دليل على شدة الارتباط بالمكان كوعي وكذاكرة. يحتاج المجتمع لكي يتكيف مع هذه المشروعات الاسكانية الجديدة الى وقت ليس بقصير والى أجيال تعيش فيها مدة أطول، وان كنت أعتقد أن الوعي لن يكون بمثل قوة الوعي السابق الذي نشأ في الفرجان وطبيعتها وتجاورها بل سيكون وعياً تغلب عليه المادية والجفاف، نظراً لطبيعة البنيان القائم ونمط السكن الموجود، شارع "الكهرباء وشارع "مشيرب" في السابق والرميلة وأزقتها، والبدع وحواريه، مناطق كثيرة في الدوحة وضواحيها، كانت مسرحاً لذاكرة مستريحة نسجت ببطء وبتلقائية، لذلك أنشأت أجيالا ومجتمعاً متسامحاً طيباً منطلقاً من بيئة مفتوحة افقية التعامل وسطية السلوك. كنت أتمنى لو تمت عملية تعميم لتجربة سوق واقف على اكثر من صعيد ومنطقة احتفاظ بشكل المبنى والطراز مع تحديث المعنى والخدمات، وهو ما يجري في عواصم الدول التاريخية الكبرى، وبالتالي لا نحتاج الى عملية تسليع واسعة من خلال استنبات الجديد وزرعه مع الاحتفاظ بالمسمى، مما قد يسبب شرخاً في الذاكرة بين المبنى والمعنى. علينا أن نعني أن الانسان كائن رمزي، حياته كلها يديرها من خلال رموز واي اختلال في هذه الرموز او الرمزية تصبح اختلالاً في وعيه وفي بنية وجوده، فقناة الريان مثلاً اليوم مسمى لكن الريان كموقع ليس له وجوده التاريخي السابق، بل واصبح جزءا من كل متآكل، والريان لم يعد قائما كمكان، و"البدع" و"الرميلة" و"وادي السيل" أصبحت على ما أعتقد أسماء لطائرات في اسطول القطرية في حين أحضرنا معنى الظواهر مثل "الخويا" و"الفداوية" و"الفزعة"، وهي مسميات لظواهر اجتماعية انتهت مادياً من الواقع، احضرناها الى الوجود من خلال اطلاقها على فرق ووحدات عسكرية وأمنية، عملية التنمية على أهميتها الا انها يجب الا تكون اسرع واشرس من الوعي المصاحب والا ستحدث فجوة بين المبنى على الأرض والمعنى في الذهن وبين الظاهرة في الذهن ووجودها في الواقع. [email protected]